اتصل بنا
 

الفانك.. المختلف قارئ التضادات

نيسان ـ نشر في 2018-03-20 الساعة 08:51

x
نيسان ـ

ذات لقاء تلفزيوني، كان يديره، مستفزّاً ضيوفه لإثرائه ولكي لا يظلّ المشاهد على الشاطئ مع الضيوف، جاء تعليقٌ غاضب ينتقد الفانك بأنّه إنّما يقحم نفسه في موضوع الحوار ويشارك الضيوف آراءهم مؤيّداً أو مخالفاً، فكان أن قال الفانك بلغته الهادئة الواثقة المحسوبة في كلماتها: «يا سيّدتي، أنا جزءٌ من الحوار، ولست غريباً عنه!».

ولأنّ مادّة الفانك الاقتصاديّة، لا تلعب على وتر «الغنائيّات» أو تتقصّد إرباك القارئ أو المشاهد؛ فإنّ «عمليّة» هذه المادّة وكونها متخمةً بالدليل الجادّ والبرهان الرقميّ، وإحالات النسب إلى الجهات الوطنيّة أو العالميّة أو مراكز الدراسات المتخصصة، فيها فعلاً ما يُقلق وينبّه ويحفز على المتابعة واستجلاء الحقائق، في ما يخصّ الاحتياطيّات والسياستين الماليّة والنقديّة وظروف الاستثمار والضرائب والعجوزات الماليّة، وغير ذلك مما ينبغي الدخول إليه من غير مجاملة أو تزويق، وقد لا نبالغ إذا ما قلنا إنّ حساسيّة مقالة الفانك متولّدة أصلاً عن حداثة النسبة الإحصائيّة وطزاجة المعلومة ومرجع كل هذه «الداتا» التي كثرت بشأنها الردود عبر «الرأي» وباتت مثار تداولٍ وتناولٍ في أروقة الحكومات والصّحف ووسائل الإعلام.

فهد الفانك، المولود عام 1934 في عمان، ولم يكن ليختار الاقتصاد، بل إنّ «الاقتصاد» هو الذي اختاره؛ خصوصاً وهو من قدامى البعثيين وله حضوره الواضح في الساحة القوميّة؛ إذ قضى ستّة عشر عاماً في حزب البعث، يزيده ولعاً بمحيطه السياسيّ أنّه انتمى إليه وعمره لم يجاوز بعد السابعة عشرة، ليصل في ما بعد إلى عضويّة القيادة القُطْريّة، ولذلك فقد جاءت توليفة الاقتصاديّ السياسيّ أو السياسيّ الاقتصاديّ طبيعيّةً من غير تكلّفٍ أو ثقل، إذ ظلّ هذان الجانبان يدعم بعضهما الآخر لتتشكّل مقالة الفانك الرصينة «المشدودة» التي لا يمكن أن نستغني فيها عن سطرٍ بسطر أو مفهوم بمفهوم؛ ليغدو الكاتب مدرسةً في الاختزال والدّقة ووجاهة المعلومة التي لا تترك الأمور هكذا «تسير وحدها»، من غير أن تمرّ على «محترفي» الرأي من الكتّاب، وفي الطليعة منهم الفانك وزملاؤه الذين هم محلّ استنارةٍ أو اهتداء، أو استئناس على أقلّ تقدير.

إربد التي عرفته رفوفها وفرح به أصحابها، فكان «القرش» ثمناً غير باهظٍ عند الفانك، يوم كان لـ«القرش» وزنه، وربّما لو كان من تُكتب حوله وعنه هذه السطور بيننا لحدّثنا عن «التضخّم» ومكافحته بين الجديّة و«الفزعة» في هذه الحكومة أو تلك./p p style='font-family: ';'>«كان طلاب (المترك) يُعيّنون وتُحترم عقولهم، فيصبحوا معلمين»، يقول مجايلٌ للفانك، وهو يستذكر مسيرته وتحصيله العلميّ وعصاميّته المؤثّرة في خضمّ ظروف صعبة كان فيها الراحل مُجدّاً وقارئاً نهماً وشديد الإخلاص للفهم.

الحسابات، وفي عالية الخطوط الجويّة الملكيّة الأردنية، وفي منتدى الفكر العربيّ، وفي الاستشارات المحاسبيّة، خصوصاً وقد كان حصل على التوجيهي المصري في القاهرة، ليكمل دراسته العليا في ما بعد، فيكتب إضافةً إلى اهتماماته ودراساته المتخصصة في زاوية «رؤوس أقلام» في الرأي التي عرفه من خلالها الناس وجمهرة القرّاء./p p style='font-family: ';'>كيف يمكن أن نجعل من المادّة الاقتصاديّة مادّةً تلامس قلوب «الناس» وتخاطب أفئدتهم؟!.. سؤالٌ ربّما فاتنا أن نسأله الفانك، خصوصاً وأنّ «أنسنة» المفهوم الاقتصاديّ الجاف أو تقريب النسبة إلى ذهن العامّة أمرٌ له تقنيات وأساليب، غير أنّ حشد الفانك لكلّ هذه المؤشرات هكذا مرّةً واحدةً أمام القراء أمرٌ يمكن تسويغه بأنّ الظرف قد لا يكون يسمح إلا بالمباشرة وصدم الذّهن بالمعلومة، وهو ما تحقق فعلاً؛ إذ كان الراحل مصفاةً حقيقيّةً لكلّ هذه المؤشرات المدهشة التي هي بالتأكيد لا تنزّ عن عقل الفانك من غير تحكيكٍ أو نظرٍ أو جدالٍ أو استفهام.

نيسان ـ نشر في 2018-03-20 الساعة 08:51

الكلمات الأكثر بحثاً