اتصل بنا
 

أبعدوا المعلم عن أوساخ الناس

نيسان ـ نشر في 2017-05-30 الساعة 01:02

x
نيسان ـ

ما أن ألقت كوادر وزارة التنمية الاجتماعية على المعلم الشحاد متلبسا باستجداء بريزة المحسنين حتى غدا العنوان الأبرز على صفحات الفيسبوك ومواقع إلكترونية، وكأنه أتى بالفعل المشين اليتيم في حياتنا 'الطاهرة'.
يرفض المجتمع في مجمله تصديق قضية 'المعلم الشحاد'، باعتبار أن ما قام به المعلم فعل مستوفي أركان الإذلال البشري، خصوصا مع تأكيدات الوزارة ضبطه يتسول الناس في افخم أحياء عمان الغربية قبل تحويله إلى مركز أمن الشميساني للتحقيق معه.
معذور المجتمع في رفضه الحادثة رغم اكتمال أسبابها منذ سنوات، فلا تزال صورة المعلم في أذهان الناس إيجابية، صورة تستمد ألقها من ذاكرة جمعية كان بها المعلم سيداً وقائداً ومربياً، فيما هو اليوم يخضع لعمليات تشويه بدأت باستهداف هيبته في غرفته الصفية ولا أحد يعرف أين ستنتهي؟.
صحيح أنه مرّ على المعلم أصعب الظروف وأحلكها خلال العقود الأخيرة، إلا أنه كغيره من موظفي القطاع العام استعان بالديون البنكية لإبقاء نفسه على قيد الحياة، وسط مجتمع يتمسك بالوجاهة والكماليات من دون أن يسعى لامتلاك أسبابها الحقيقية.
في الحقيقة احتلت مهنة التعليم مكانة خاصة لدى المجتمع الأردني، وما وجود مدرسين في دول الخليج حتى اللحظة إلا دليل على تميز القطاع الذي جعل من الأردن محطة علمية متوهجة لتزويد أشقائه العرب بعد أن قدم نماذج تربوية مثلت نفسها وأردنها خير تمثيل، وجعلت من عملها في الخارج عنوان تميز وكفاءة وعطاء.
يبدو أن هذا الحال يواجه برغبة رسمية في تكسيره ووضعه في سياق آخر، وإلا ما مبرر سلة الامتيازات والكفاءات التي تكيلها الحكومات في جيوب النخبة ممن يحتلون وظائف رفيعة في الدولة من المتقاعدين وغيرهم من المعارف والمحاسيب، حتى وصلت حد تعيين ستيفان بيشلر مديراً عاماً/ رئيساً تنفيذياً لشركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية، فيما يمنع على المعلم مجرد التفكير بتغيير 'الكيا الزرقاء' بأفانتي خمري، والعمل على إشغاله بلقمة عيشه وكلف حياة أسرته، وحين لجأ إلى التسول تطهرنا منه.
ثمة قدر كبير من المبالغة في تجريم سلوك المعلم في وقت يسرق به التاجر قوت المواطن، ويغالي الصحافي في ابتزاز المسؤول، ويخطئ الطبيب عشرات المرات في تشخيص حالة مرضاه، ويضطرك الميكانيكي لتبديل 'مجموعة الاستيرنغ' مع تفاصيل الهيئة الأمامية فيما الخلل في البواجي، لكننا لا نرى نشازا في مدينتنا الفاضلة إلا المعلم الشحاد .
إنه مجتمع بكامل طبقاته، اشتغلت به 'ماكينة' الرسمي لسنوات طويلة، فبدّل ثوبه وقناعاته وانماطه الإنتاجية، وراح يركض خلف وهم الثراء وتوّهم الوفرة.
ويبقى السؤال الذي أحجمنا عن طرحه معلقا: لم لجأ المعلم جهارا نهارا إلى التسول؟ ولماذا تساوت الخيارات أمامه؟ وماذا وفرت الحكومات ونقابة المعلمين للمعلمين لكي لا يطلبوا أوساخ الناس؟.

نيسان ـ نشر في 2017-05-30 الساعة 01:02

الكلمات الأكثر بحثاً