أحمد هليل.. شكراً

كانت صادمة تلك الاستقالة التي تقدم بها إمام الحضرة الهاشمية، وقاضي القضاة الشرعيين، أحمد هليل، من جميع مناصبه الرسمية، أمس الأحد، بعد يومين من إلقائه 'خطبة خليجية' استثارت الشارع الأردني، لأسباب غدت معروفة ولا حاجة لإعادة ذكرها.
من قال إن مسؤولاً أردنياً سيتقدم باستقالته نتيجة خطأ ما، ويتحمل كامل مسؤوليته القانونية والاخلاقية؟ كان حلما وها نحن نعيش لحظاته.
ليس من المجدي تسطيح الأشياء والزعم بأن الإعلام و'الفيسبوك' أطاحا بالرجل، -على أهمية- الدور الذي قاما به منذ ظهيرة يوم الجمعة الفائت، لكنه دفع بلحظة الفاتورة كاملة، ومضى إلى بيته متفرغاً للعبادة وللنبش في الشؤون الشرعية.
واصل هليل غيابه طوال الفترات الماضية، ولم يظهر أمام الأردنيين إلا في مناسبات تكاد تنحصر بشهر رمضان، وعيد الفطر والأضحى، لكنه ظهر ليغادر الساحة بعد أن أحدث شرخاً في الجدار الخليجي، في وقت لا تحتاج به الدولة إلى مزيد من المعارك ولا سيما أن حبهتيها الشمالية والشرقية في صراع مستمر.
جاءت خطبة الجمعة التي وضعت نقطة في آخر مسيرة رجل لم يبخل على صانع القرار يوماً؛ ما يعني أن خروجه سيبعث برسائل قاسية لآخرين اعتقدوا أن قربهم من المطبخ السياسي سيتكفل بأمنهم الوظيفي ما داموا أحياء ويرزقون، لكن تجربة هليل تؤكد ما هو اخطر من ذلك.
نعم، فعلها هليل وتحمل مسؤولية الخطبة الشهيرة؛ ليكسر بذلك رتابة المشهد الرسمي الأردني الذي انحصرت خياراته طوال عقود مضت بخيار الإفلات من تبعات المواقف والأفعال.
بالطبع فإن احمد هليل ليس ساذجاً، وبالطبع أيضاً لم يكن مراهقاً، بل إن مقربين منه يلصقون بالرجل حدة الذكاء المقرونة بالحنكة، وهو ما يجعلنا نقول إنه كان يعرف ما يقوله على المنبر جيداً، ويعرف أثر حديثه في مجلس التعاون الخليجي، لكنه اختار إيصال الرسالة مهما كلفه ذلك.
على أية حال، سيكون لهليل أجر سنّته الحسنة بين المسؤولين الأردنيين الذين لا يزالون تحت وقع الصدمة، وسيكون عليهم العمل بحرفية لإعادة الأردنيين إلى 'حقبة' ما قبل هليل، وبما يضمن عدم الاقتراب من دوائر تحمل المسؤوليات الأخلاقية، وإلا سيجدون أنفسهم تحت 'المزراب' ذاته.
لا يمكن إسقاط أثر الغضبة الخليجة من خطبة الرجل وأثرها في خروج هليل من دائرة صانع القرار واستبداله فوراً، ولكن هذا لن يمنع الناس من مواصلة ضغطها على الحكومة، بعد أن أغراها خروج هليل من السلطة في مشهد لم يألفه الناس من قبل.