اتصل بنا
 

الشركات الأمنية الخاصة تقتات من فوضى الشرق الأوسط

نيسان ـ نشر في 2015-07-24 الساعة 16:42

x
نيسان ـ

لم تكن عودة الشركات الأمنية الأميركية إلى العراق للمساعدة في الحرب ضد داعش قُبيل نهاية أبريل 2015، سوى أحد تجليات تصاعد خصخصة الأمن في بعض دول الشرق الأوسط، وقيام الشركات الأمنية بأدوار مركزية في بعض المجالات الأمنية والعسكرية منذ استعانة الولايات المتحدة بها في العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، وهو ما يُثير تساؤلات حول أبعاد ومخاطر الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة في دول المنطقة.

ولا يوجد اتفاق حول تعريف المقصود بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فقد استخدم الدارسون العديد من المصطلحات، ومنها على سبيل المثال؛ الشركات العسكرية الخاصة والشركات الأمنية الخاصة ومقدّمو الخدمات العسكرية، ومتعاقدو الخدمات العسكرية الأمنية الخاصة. وهو ما خلق ضبابية حول المفهوم الحقيقي لهذه الهياكل ممّا خلق بدوره مزيدا من الجدل في الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع.

ويشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصورة عامة إلى شركات تجارية تبرم عقودا قانونية، تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني ويشمل نشاطها تقديم خدمات عسكرية متعلقة بالتخطيط الاستراتيجي والاستخبارات والتحقيق والاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وكذلك عمليات الطيران أيّا كان نوعها، والدعم المادي والتقني للقوات المسلحة، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.

بينما تشمل الخدمات الأمنية بوجه خاص، توفير الحراسة والحماية المسلحتين للأشخاص والممتلكات، مثل القوافل والمنشآت والأماكن الأخرى، وصيانة نظم الأسلحة وتشغيلها واحتجاز السجناء وتقديم المشورة أو التدريب للقوات المحلية ولموظفي الأمن.

وتعمل الشركات الأمنية الخاصة في إطار قيام مؤسسات الدول بعمليات “الإسناد للغير”، والتي تتضمن تأسيس علاقات عمل قصيرة المدى تقوم على الحصول على خدمات أمنية أو عسكرية من الشركات الخاصة بمقابل مادي لفترة زمنية محددة، وبضوابط يتم التوافق عليها في إطار الالتزام بالقوانين والتشريعات المنظمة لعمل تلك الشركات في الدولة، ممّا يجعل مؤسسات الدولة في موقع الهيمنة على العمل الذي تقوم به وفق الشروط التي تمّ على أساسها التعاقد.

الأدوار في الشرق الأوسط

أدّى تدهور الأوضاع الأمنية في عدد من دول الشرق الأوسط إلى تزايد الطّلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصّة، إذ لم يعد دور هذه الأخيرة مقصورا على النطاقات المحدودة التي كانت تحكم نشاطها سابقا، في ظل التوسع الطاغي في أنماطها وقدراتها العسكرية، وفي ظل تصاعد احتياجات دول الإقليم لخدماتها، بل تبدّلت أدوارها الرئيسية وتنامت وأضحت تتعلق بـ:

*تقييم المخاطر: هي خدمات ترتبط بحجم ما يتوفر من معلومات صحيحة، فعلى سبيل المثال تعاقدت وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة مع شركة كونترول ريسك لتوفير المعلومات الإستخباراتية والتحليلات للحكومة العراقية لدعم جهودها في محاربة الإرهاب.

*تقديم الاستشارات الأمنية: قامت شركات مثل دينكورب وآرمور غروب، بتدريب قوات الشرطة والجيش العراقيين، كما تعاقدت الأمم المتحدة مع الفرع الأفغاني للشركة البريطانية إ س ج سكيوريتي لتدعيم القدرات العسكرية والقتالية لأفراد الشرطة الأفغانية الوطنية. وشاركت شركة دينكورب كذلك في دعم بعثة الأمم المتحدة في السودان من خلال عمليات إنفاذ القانون، وكمستشارين في القضاء، وفي تدريب وتجهيز وتوجيه قوات الشرطة السودانية، وذلك عبر وجودها كجزء من القوات الأميركية.

وينطبق الأمر ذاته على قيام شركة إ س فينال بتدريب قوات الجيش العراقي بعد إعادة تشكيله عقب الاحتلال الأميركي، وقيام شركة كوبيك بتدريب بعض الوحدات لتتطابق مع معايير حلف شمال الأطلسي، فضلا عن شركة استراتيجيات المخاطر العالمية غلوبال ريسك التي قدمت استشارات أمنية للعراق وأفغانستان خلال مرحلة إعادة بناء جيشيهما الوطنيين.

*حماية القيادات: مثل ما قدمته شركة أوغارا بروتكتيف سيرفس من خدمات أمنية لبعض القيادات السياسية في دول المنطقة، وأيضا ما قامت به شركة غلوبال ريسك أنترناشيونال من توفير حراسة للمسؤولين الأميركيين في العراق، كما قامت شركة دين كوبر الأميركية، بدورها، بحماية الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وكبار رجال الحكومة الأفغانية لفترة طويلة، يُضاف إلى ذلك قيام شركة أوغارا بتوفير الحماية لرموز سياسية ومجتمعية في بعض الدول العربية، وشركة سيكيور بلوس التي كانت تقوم بتأمين رموز تيار المستقبل السني في لبنان.

* تأمين المنشآت: تؤدي بعض الشركات الأمنية أنشطة تأمين المنشآت العامة ونقل الأموال مثل شركة آرمور كورب البريطانية التي تقوم بتأمين مطار بغداد، وهو نفس الاتجاه الذي تبنته شركة موانئ العراق لتأمين ميناء أم القصر، وتعمل في هذا المجال أيضا شركات محلية، مثل شركات الأمن الخاصة في مصر التي تقوم بعمليات نقل الأموال والتأمين وحراسة المنشآت، ففي مصر، تعاقدت وزارة التعليم العالي مع شركة فالكون للخدمات الأمنية على حراسة 15 مؤسسة جامعية، الأمر ذاته ينطبق على شركة التأمين الخاصة بمؤسسة سوناطراك النفطية الجزائرية التي تسعى إلى توسيع قواعدها الأمنية لتشمل 10 آلاف عنصر مدرب خلال خمس سنوات.

* العمليات العسكرية: وهي الصيغة الأكثر حدية لنشاط الشركات الأمنية، حيث تصبح قريبة من أنشطة “المرتزقة” في بؤر النزاعات المسلحة، وتعتبر شركة بلاكووتر الأميركية المثال الأبرز على هذا النمط؛ حيث شاركت في الأعمال العسكرية بالعراق وأفغانستان لصالح الولايات المتحدة. وتملك هذه الشركة قاعدة بيانات حوالي 21000 جندي سابق من القوات الخاصة تستطيع الاستناد إلى خدماتهم، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة لا تقل عمّا تمتلكه الجيوش النظامية. الأمر ذاته ينطبق على شركات أخرى مثل يجال الإسرائيلية وساند لاين الدولية التي تمارس أنشطة عسكرية في القارة الأفريقية، وينسب إلى هذه الفئة دعم نظام القذافي بالميليشيات المسلحة من الأفارقة التي ساندته قُبيل سقوطه.

وفي مارس 2015، كشفت مصادر عراقية عن تجدد دور الشركات الأمنية الخاصة، وقيامها بمساعدة القوات العراقية في عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش بدعم من الولايات المتحدة. وتخصص هذه القوات في عمليات حروب العصابات، ومكافحة الإرهاب، وتأمين المنشآت والشخصيات العامة، وتعمل في كل من إقليم كردستان العراق، والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية، وفي تأمين المنشآت النفطية والمطارات والموانئ.

تهديدات خصخصة الأمن

على الرغم من أن ظاهرة خصخصة الأمن لا تعد أحد مستجدات الأوضاع الراهنة في دول الإقليم، فإنها أضحت مصدرا لتهديدات غاية في الخطورة على الأمن القومي في بعض الدول في ظل افتقادها للأطر القانونية اللازمة لضبط أدوارها، والإشراف على أنشطتها، بحيث بدت أهم تلك التهديدات في الآتي:

* منازعة اختصاصات الدولة: يؤدي الاعتماد على شركات الأمن الخاصة إلى خلق حالة من “الاعتمادية”، لأنها تقوم بوظائف الأمن التي تعجز السلطات المحلية عن القيام بها، مما يترتب عليه ضعف قطاع الأمن الوطني في هذه القطاعات، ومن جهة أخرى، يُشكل العمل في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جذبا ماليّا للأفراد حتى بالنسبة للذين لا يزالون يخدمون في القوات المسلحة الوطنية، خاصة أن بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مدرجة في قائمة أسواق الأسهم والسندات، وتحقق أرباحا لمستثمريها. الأمر الذي يدفع العاملين في قطاع الأمن الوطني إلى تقديم استقالتهم، والسعي للعمل لصالح هذه الشركات، وهو ما يخلق إشكالية كبيرة في حالة الدول الضعيفة التي تحاول إعادة بناء قواتها، كما هو الحال في أفغانستان.

* السعي إلى تحقيق الربح: الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كيانات تستهدف تحقيق الربح بالأساس، والفرص التي تحقق الربح هي التي تحدد سلوك الشركات في مناطق الصراعات المسلحة، لذا من الضرورة بمكان لفهم تأثير هذه الشركات على ديناميكيات الصراع النظر إلى البيئة التي تعمل خلالها، وهيكل السوق الذي يحدد كيفية توليد المكاسب التي يمكنها الحصول عليها. فإطالة الصراع ليس دائما هو الخيار الأمثل بالنسبة للشركات العسكرية الخاصة، فمثلا عندما تحصل الشركات على أجرها مقابل الخدمات التي تقدمها من خلال حصولها على امتياز استخراج موارد طبيعية؛ فإن مصلحتها تكون في وقف العنف، لأن البيئة السلمية تُمكنها من تعظيم مكاسبها. لكن في حال كان وجودها مرتبطا بصراعات أهلية، فقد تغذي فتيل هذه الصراعات على نحو يحفظ بقاءها.

* ارتكاب الجرائم والانتهاكات: ينسب لبعض الشركات ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، ما أدى إلى اتّخاذ إجراءات ضدها في الدول المضيفة؛ ففي العراق ارتكبت عناصر أمنية تنتمي لشركة بلاكووتر جرائم قتل بحق 17 مدنيّا عراقيّا بساحة النسور في بغداد، بما كلف الشركة غرامة قيمتها 7.5 ملايين دولار، فضلا عن منعها من العمل في العراق بنهاية عام 2011، وتعديل قانون عمل الشركات الأمنية في منتصف عام 2012.

والأمر ذاته ينطبق على تورط عملاء شركتي كاس إنكوربوريشن وتيان كوربوريشن في جرائم تعذيب السجناء في سجن أبوغريب، وفي أفغانستان، في ظل قيامهما بإمداد قوات التحالف بخبراء متخصصين في أعمال الاستجواب، بما يمثل نموذجا للانتهاكات التي يمكن أن يرتكبها المنتسبون لشركات الأمن الخاصة في حالة توسيع نطاق اختصاصهم.

* التورط في الصراعات الطائفية: دفع الانفراد العسكري لحزب الله بحمل السلاح في لبنان، على سبيل المثال، مختلف الطوائف اللبنانية إلى تشكيل شركات أمنية لحماية مناطق تمركزها ومصالحها مع تصاعد الاشتباكات الطائفية على وقع الانقسامات السياسية المزمنة، حيث قام تيار المستقبل بتأسيس شركة أمنية تحمل اسم المستقبل، والاستعانة بخدمات شركة سيكيور بلوس لتأمين تحركات قياداته والمنشآت الحيوية الخاصة به، والأمر ذاته ينطبق على حزب الكتائب، حيث تضاعف عدد هذه الشركات ليصل إلى ما يقارب 50 شركة تديرها قيادات عسكرية وأمنية سابقة بعيدا عن سيطرة الدولة اللبنانية.

* ضعف البنية القانونية: إن دولا عديدة في المنطقة ليست لديها منظومة قانونية تمكنها من تنظيم عمل هذه الشركات، ومحاسبة أفرادها في حال ارتكابهم انتهاكات، فضلا عن التعامل مع إشكاليات وجود شركات دولية تعمل على أراضيها. كما أن بعض الدول التي تعاني من صراعات أهلية، مثل سوريا، تُثير مسألة تقنين وجود هذه الشركات فيها قضية أن يكون الترخيص لإنشائها مرتبطا بانحيازها لأطراف دون أخرى، وتتصاعد تحديات إخضاع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للمساءلة في ظل سعيها للحفاظ على سرية عقودها لتعزيز قدراتها التنافسية، واجتذاب مزيد من العملاء.

* التعاقد من الباطن: هو أحد التحديات التي يواجهها تحديد نطاق مسؤولية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فقد يتم التعاقد مع شركة لها سمعة جيدة، ثم تقوم هذه الشركة بالتعاقد من الباطن مع شركة أخرى تقوم بتأدية الأعمال بدلا عنها، والتي يمكن لها (الأخيرة) بطبيعة الحال أن تتعاقد مع شركة أخرى لتؤدي تلك المهام، وهكذا دواليك، ومن ثمّ تصبح هناك صعوبة حقيقية في تحديد الأفراد المسؤولين عن هذه المهام، وإحالتهم على القضاء في حال حدوث إخلالات.

خلاصة القول، يرتبط تصاعد التهديدات النابعة من الاعتماد المتصاعد على الشركات الأمنية الخاصة في الشرق الأوسط من الافتقاد لأطر قانونية ضابطة لنشاط تلك الشركات والممارسات السابقة لعدد منها، والتي تثير رفضا مجتمعيّا متصاعدا لقيامها بمهام الأمن. وفي مقابل هنالك احتياج متصاعد لتوفير الأمن في ظل تفكك المؤسسات الأمنية الوطنية في بعض دول المنطقة، وإخفاقها في أداء وظائفها في خضم تداعي سيطرة الدولة على أنشطة الفاعلين داخلها، وهو ما بات يفرض عليها، قبل قيامها بأي تعاقد من هذا النوع، ضبط ممارسات تلك الشركات، وقصرها على أنشطة الاستشارات والتأمين والتدريب، وهو ما يفرض على دول المنطقة وضع تشريعات قانونية حاكمة لنشاطها تضمن الرقابة المستمرة على أنشطتها، وفرض قيود على تسليح العناصر الأمنية التابعة لها حسب طبيعة المهام الموكلة إليها.

المصدر: العرب

نيسان ـ نشر في 2015-07-24 الساعة 16:42

الكلمات الأكثر بحثاً