اتصل بنا
 

رفعنا الدعم.. ماذا بعد؟

نيسان ـ نشر في 2018-01-10 الساعة 11:36

x
نيسان ـ

محمد قبيلات...يجتهد السيستم- في هذه المرحلة- لتنفيذ مرور آمن من عنق الزجاجة الطويل الذي تعبره البلاد، مثقلة بنتائج وتراكمات السياسات التي رسمتها ونفذتها الحكومات المتعاقبة وإدارات الدولة الأردنية المختلفة، منذ مراحل التأسيس.

فنحن نعايش اليوم نتائج بحكم الحتمية، نظراً لأداء الادارات السابقة الذي أدى لتعمق التشوهات في البنية الهيكلية للمجتمع والاقتصاد الأردني.
القرار بتمرير موازنة 2018 ، وما سيتبعه من معالجات قاسية يهدف إلى سد العجز، كان بحكم الإجباري، وشكل العامل الضاغط على أطراف العملية السياسية كلها، خلال الأسابيع الماضية؛ ما استدعى الاستنفار الكامل من مختلف مراكز القرار، لكنها لم تستطع جميعا أن تجترح المعالجات الدائمة التي تتجاوز اعتماد الموازنة العامة على المساعدات الخارجية والاقتراض، وهو من الأمور الحتمية، أيضا، الذي لا يمكن أن يعالج بين ليلة وضحاها، خصوصا أن خيوط الأسباب تمتد إلى التشوهات المزمنة في بنية الاقتصاد الأردني.
وحتى لا نتجنى كثيرا؛ لا بد من الإشارة إلى العوامل الجيوسياسية في الإقليم وما ينتج عنها من حالة تشبه الحصار المبرم، فقد انحسرت صادرات المملكة في السنوات الأخيرة إلى أدنى مستوياتها، خصوصا بعد إغلاق الحدود مع العراق وسورية والظروف الخليجية والإجراءات التي بدأت تطبيقها المملكة العربية السعودية، والتي ستتعاظم آثارها في المقبل من الأيام مع الضغوطات التي بدأت تحيق بالأردنيين العاملين هناك، وما سينجم عن ذلك من تقلص في حوالات المغتربين وزيادة في أعداد العاطلين عن العمل.
هذه العوامل، لا يكون لها تأثير كبير في الاقتصاد الذي يقف على قواعده الصلبة، لكن الحال غير الحال، ما يستدعي أخذ الحيطة والحذر من أن تؤذي الإجراءات التصحيحية القاسية، الإجبارية، الشرائح والطبقات الأقل دخلا من المجتمع.
المشكلة الكبيرة التي تواجه السيستم اليوم، ليست في سد العجز عن طريق فرض الرسوم على المواد الأساسية بحد ذاتها، بل هي الخوف من ردة الفعل الشعبية الرافضة لهذه الإجراءات، خصوصا أنها تطال الخبز بما يمثله من حساسية زائدة للفئات الأقل دخلا، ويدرك أصحاب القرار تلك الحساسية، إلا أنهم على ما يبدو مضطرون لخوض المغامرة واتخاذ هذا الإجراء .
الحقيقة أن موضوع رفع الدعم عن الخبز أمر لا يفسر إلا أن يكون العجز أكبر من تلك الأرقام التي تعلنها الحكومة، وإلا ما معنى المخاطرة برفع الدعم والسعر رغم أن فاتورة القمح- وكله مستورد- لم تتجاوز 150 مليون دينار في 2017، في حين أن الدعم لا يشمل إلا 50% من أنواع الخبز، ولعل هذه الأرقام تكشف عن خلل فيما تعلنه الحكومة عن مبالغ وحجم الدعم، فقد استوردت وزارة الصناعة والتجارة أقل من مليون طن قمح في السنة الماضية، ولم تتجاوز الأسعار حد الـ 200 دولار أمريكي للطن الواحد.
المنطق يقول إن الدعم لم يتجاوز ربع هذا المبلغ.
هذا يقودنا فورا إلى جزئية مهمة في بناء الثقة بالسياسات، وهي الشفافية، حيث يلجأ السيستم إلى التغطية على الأخطاء بأخطاء أخرى، ما يُعظّم الأزمة ويزيد الاختلالات الهيكيلة.
حتى في المعالجات، وكما رأينا في الأيام الماضية، سواء بتمرير الموازنة من مجلس النواب أو بحملة التعمية الدعائية الضخمة، التي تتورط بها أجهزة الدولة العميقة، من أجل تهيئة الرأي العام لقرار رفع الدعم عن الخبز، ما زلنا نخاطر بالسير على حافة حفرة الانفجار، متجاهلين أهمية المراجعات العميقة الجادة التي من شأنها أن تقدم حلولا حقيقية لا تحتاج إلى أفلام الآكشن والقنابل الدخانية من أجل تمريرها.
لعل أول هذه العلاجات يتم بردم ثقوب الفساد السوداء التي تبتلع مليارات الدنانير سنويا. ولقد نوّه الملك عبد الله الثاني أمس إلى أن على المستثمرين 'العابرين للبلدان' احترام القوانين الأردنية كما يحترمون القوانين في الدول الأخرى، والشاهد على ذلك أكثر من مستثمر أردني كبير، يدفعون 'الخاوات' في دول أخرى، بينما يستقوي هنا على البلد ويسرق حتى المياه الجوفية، وهذا ليس من الكلام المرسل، إذ يمكن التحقق منه بمراجعة سلطة المياه والجهات الرقابية والقضائية.

نيسان ـ نشر في 2018-01-10 الساعة 11:36

الكلمات الأكثر بحثاً