اتصل بنا
 

هبوطا إلى مصافّ البشر

نيسان ـ نشر في 2018-02-05 الساعة 13:48

نيسان ـ

يكاد لا ينجو أي عمل درامي عربي، في السينما والتلفزيون، إذا كان متعلقا بالسيرة الذاتية للمشاهير الراحلين من قصقصةٍ وإضافةٍ تصلان إلى حد التزوير، في أحيان كثيرة، تُخرجان الشخصية المشهورة إلى المتلقي باهتة مفلترةً، وخاضعةً لتشويه واختلاق لا يختلفان عن أثر 'الفوتو شوب' الذي يبالغ في تجميل سطح الصورة في العادة، كي تبدو صقيلةً ساطعةً، غير أنها بلا روح مجرّدة من ملامحها الإنسانية بعيوبها ومزاياها، ويبتدع صورةً مغايرة لواقع الحال. يغتال كتّاب السيرة العرب، مع سبق الإصرار والترصد، جوهر الشخصية، ويتم تجاهل حقيقة الضعف الإنساني الذي ميز البشر عن فكرة الملائكة الأثيرية الخالدة، المنزّهة عن ارتكاب الهفوات والأخطاء.
ثمّة عوامل كثيرة وراء هذه الظاهرة، لعل أهمها الخصومة التقليدية بين العقلية العربية والحقيقة ومحاولة التحايل عليها بذرائع مختلفة، وميلها إلى فكرة القدوة والمثل الصالح، لكيلا نقول الصنم، ينطبق ذلك على جميع مناحي حياتنا، فالزعيم قائد ملهم عادل حكيم، تكتب فيه قصائد المديح الكاذب، بغض النظر عن مستوى وحشيته وفساده واستبداده، والمشاهير من الفنانين على وجه الخصوص، ومهما ارتكبوا في حياتهم من أخطاء يُفترض أنها مفهومة ومقبولة، فإن وفاتهم كفيلة بمنحهم صك الغفران الفوري.
يقع كاتب النص في شرك الخديعة، من خلال منطق تبريري ومتواطئ، خشية ملاحقة الورثة القانونية حال تجرؤه على سرد الحقائق كما حدثت، من دون تدخل مقص الرقيب العائلي، وكذلك مراعاة لمشاعر المتلقي الذي يرفض أن يتلقى صدمةً بفنانه المفضل، تهبط به إلى مصاف البشر العاديين ذوي الأصل الطيني نفسه. والشواهد في تاريخ الدراما العربية على هذه السقطات الفنية كثيرة، من أبرزها تجسيد الفنان الراحل أحمد زكي شخصيتي الرئيسين، جمال عبد الناصر وأنور السادات. وقد أضفى الفيلمان السينمائيان على الرجلين صفات القداسة، اعتمادا على سذاجة المتلقي. وكذلك ما وصل إلينا عن شخصية أم كلثوم، المبالغ بسرد مناقبها والمتغاضي بالكامل عن عيوبها، حيث قدمت الشخصية مقطرةً مصفاةً خاليةً من العيوب، ما نزع عن أم كلثوم خصوصياتها وحساسيتها وجوانبها المتنوعة، باعتباره مكونات الشخصية. وكذلك ظهرت ملامح أسمهان التي بدت فتاه وديعة ومسالمة، وهي، في الواقع، المرأة المزاجية والأنانية وغريبة الأطوار والعاشقة المجنونة متعددة العلاقات العبثية غير المعنية سوى بلحظتها الراهنة. ولم يختلف مسلسل ليلى مراد عن المواصفات الجاهزة نفسها، من حيث مجموعة الصفات الإيجابية والميل إلى النبل والتضحية والتهذيب المفرط الذي يصل حد الملل، من دون ارتكاب أي خطأ، أو سلوك فظ، أو جملة غير لائقة. وتضمن أيضا مسلسل 'الشحرورة' عن المغنية صباح مغالطات وأكاذيب كثيرة طاولت سمعة أشخاص على قيد الحياة، وذلك فداءً لوهم صورة الفنان النموذج الأعلى والأرقى.
يمكن استثناء مسلسل 'أبو ضحكة جنان'، عن الفنان إسماعيل ياسين، بدرجة أقل، على الرغم من أنه لم يخل من مقدار من المحاباة. وبغض النظر عن هنات العمل الكثيرة، فإن الممثل أشرف عبد الباقي أبدع في تجسيد شخصية إسماعيل ياسين بعفوية وبساطة، تلك العبقرية الكوميدية التي لمع نجمها، وتركت أثرا كبيرا في تاريخ السينما العربية. لم يحقق مسلسل أبو ضحكة جنان شعبيةً تضاهي مسلسل أم كلثوم مثلا، لكنه حرص على تقديم شخصية إسماعيل ياسين، بدون ادعاء ثقافة أو عراقة أصل رجل بسيط من السويس، يميل إلى البخل أحيانا. نشأ يتيم الأم لوالد مدمن ومفلس وجدة قاسية. هناك إشارات واضحة إلى صفة البخل التي ميّزته دائما. وكذلك تسرّعه في الزواج، وأيضا تعرّضه للخيانة الزوجية، وغيرها أحداث كثيرة، قد يراها بعضهم مسيئةً لتاريخ الرجل الذي اختبر الحياة من كل جوانبها، حيث الفقر المدقع حينا، والغنى الفاحش حينا، إضافة إلى الخيبات العاطفية والتعثر المادي. من هنا، يمكن اعتبار هذا العمل الأقل تخبطا، والأقرب إلى روح الحقيقة التي ترعب كثيرين منا، ليس فقط على صعيد الدراما.

نيسان ـ نشر في 2018-02-05 الساعة 13:48


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً