اتصل بنا
 

لعنة الله على الفيس بوك وأخواته وإخوانه

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2018-01-16 الساعة 11:31

نيسان ـ

كم أكره التكنولوجيا وكم أكره الإنترنت وكم أكره هذا العالم السخيف المريب الذي نعيش فيه. ولا يهمني ما يقول البشر عن التطور والتقدم التكنولوجي والمعلوماتي، الذي أعتبره طامة كبرى حلت علينا جميعًا. هل بقي أي شيء من خصوصياتنا إلا وانتهكت! فمعظمنا لا يفهم التطبيقات التي نستخدمها بشكلٍ يومي والتي ندخلها إلى حياتنا بغباء شديد خاصة بعد أن نعطي توقيعنا وموافقتنا على شروط الإستعمال دون أن نعرف ونعي تمامًا كيف ستستخدم المعلومات التي يتم تحصيلها عنا ودون أن نفهم حتى إلى ماذا ستؤدي هذه الخطوات وكيف ستؤثر علينا.

نعم، أنا أحب العيش في ظلمات الخصوصية، فهي شيء مهم بالنسبة إلى أي شخص فهمان. أما أن نستبيح أنفسنا يومًا بعد يوم للمغضوب عليه الفيس البوك وإخوانه وأخواته فهو محض استهتار بما نقدر من الأمور. ولأعطيكم أمثلة لاقتحامات الفيس بوك لخصوصياتي. مجددًا حاولت فتح حساب لأجمع فيه كتاباتي، لكن الفيس بوك المجيد لم يتركني أستعمله دون أن أعطيه الإذن للوصول إلى كافة معلوماتي وملفاتي الشخصية. فرفضت طبعًا. ولا أدري ما الذي يحدث معي، فعندما أكتب مقالة من العيار الثقيل، تتحول صفحتي بقدرة قادر ودون سابق إنذار إلى قناة بورنوغرافي. مناظر ولا أبشع من هيك. ولأني تعبت من هذا الأمر، الذي يخدش الحياء، فقد أعطيت حسابي وكلمة السر لشخص ما كي يتصرف مع دعاة الجنس الرخيص هؤلاء الذين يعتدون علي وعلى صفحتي التي من المفروض أن تكون فكرية لا بورنوغرافية. لكنهم، وأنا لا أعرف من هم، يملؤون صفحتي بالأثداء والأرداف، هل هذا يعني أن مقالاتي منحطة؟ أم هل هناك من يحاول أن يسقطني من علية؟

ثم تردد على مسمعي أن السفارات تتفقد الفيس بوك قبل أن تمنح التأشيرات. وقد أصبحت هذه مسألة رسمية. منطقيًا، ألا يعني كل هذا أن الفيس بوك أداة تجسس؟ المشكلة أننا أصبحنا مدمنين على الفيس بوك وإخوانه وأخواته، لعنة الله عليهم جميعًا. ولم نعد نستطيع الإستغناء عن هذا المكان الواقع في الفضاء غير الملموس وفي المجهول. فقد أصبحنا نحن جواسيس نتجسس على بَعضُنَا البعض وتعودنا على كل تلك المكالمات الدولية المجانية والرسائل الصوتية والمكتوبة والتي قد تكون جميعها مسجلة من قبل الفيس بوك والفايبر والتانغو والواتس آب والسكايب وغيرهم. إن هؤلاء جميعًا يقومون بدور الله وملك الخير والشر الجالسين على أكتافنا اليمين والشمال الذين يسجلون لنا. إن كل ما نقوم به مسجل ومدون ولا نعرف متى سيخرج إلى النور في شكل فضيحة. لهذا أقول انتبهوا ولعنهم الله جميعًا. كثيرٌ من أصدقائي الإنجليز يرفضون استخدام جميع هذه التطبيقات وقد حذروني أكثر من مرة أن لا تستخدمي كل هذه البرامج، لكن ماذا أفعل. فأنا لست وحدي وقد أصبحت جزءًا من شبكة الأصدقاء والأقرباء.

إذا كانت وزارة الصحة البريطانية قد باعت معلوماتنا الشخصية والخصوصية والخاصة جدًا للشركات التجارية، فهذا يعني أن المخفي أعظم وأن عهد الخصوصية والفردانية قد انتهى وكل معلوماتنا أصبحت مشاع في مشاع. يا ليت الدول والحكومات العربية تعي وتفهم حجم المعضلة وتفعل شيئًا قبل أن تجيز هذه التطبيقات في البلاد العربية، وقبل أن توقع على اتفاقياتٍ بحجة الأمن والأمان مع الدول الغربية، بما يجعل مواطنيها العرب هباءً منثورًا وفي مهب الرياح الغربية التي تحيق بِنَا! وها أنا هنا أدعو الحقوقيين العرب للنظر في الشروط القانونية لهذه التطبيقات والتدخل حالاً وفورًا لتعديلها بما يتوافق مع العقلية والثقافة العربية. إن ما يحدث أمر جلل، ونحن شعوب إمعة، نقلد ونتبع دون أن نحكم عقولنا.

أما أنا، فقد دخلت على خط الفيس بوك متأخرة، بعد أن ظلت صديقاتي يسألنني: 'ما عندك فيس بوك؟'، وأنا أسأل: ' شو هادا سخام البين الفيس بوك' وبعدها انضممت من كثرة الإلحاح وبعد أن قالت لي صديقتي أن باستطاعتي التحكم بدرجة الخصوصية لكني اكتشفت كذب هذا الكلام وحاولت أن أظل محافظة قدر ما أستطيع، ولا زلت لا أعرف كيف أستعمل 'كتاب الوجه' الأسود هذا هو وأخواته وأخوانه لكن أحيانًا الواحد ينسى نفسه ولا يفتكر أن الآلاف قد يقرأون صفحته. وأسخف ما أرى حين تعايد المرأة زوجها أو أبنها على الفيس بوك إذ أن أول ما يخطر في بالي: ' ألا تستطيعين أن تعايديهم وجهًا لوجه مع قبلة واحتضان؟ ألا تعيشون في نفس البيت؟'. بالله عليكم هل هناك سخافة أكبر من هذه؟ أليس كل هذا استعراضًا فارغًا أمام الناس؟ وأكره استعراضات الصور، الأكل والرحلات والحفلات. لماذا تشاركون كل هذا مع العالم؟ أوَليست هذه أمور شخصية وعائلية وخصوصية بحتة؟ وَيَا عيني على المناكفات السخيفة بين الأقارب والأصدقاء.

أصدقائي أدعوكم لأن تكونوا مقترين محافظين على هذه المواقع. استخدموها بما فيه مصلحتكم وافترضوا الأسوأ. إن الفيس بوك مصمم ليعطيكم إحساس زائف مزيف من الأهمية. فأنتم تشعرون بأنكم مثلكم مثل المشاهير الذين تتابعون أخبارهم. فحين تنزلون صوركم، فأنتم تحاولون اصطياد المجاملات. لا يهمني إن كُنتُم تأكلون الجمبري واللوبستر والكالاماري كل يوم وتقودون سيارات مدرعات وتقطنون في قصور مزينة بالحدائق المعلقة والبرك والمسابح. كل هذه المظاهر لا تعنيني. ما أنظر إليه هو الإنسان الذي بداخلكم والذي قتلتموه لكي تستعرضوا بشكلٍ سخيفٍ رخيصٍ على الفيس بوك. أما البنات، فيا ليتهن يتوقفوا عن فعل الحركات التي إما أنهن لا يعرفن معناها مثل القبلة الهوائية والمقص أو لعلكم فقدتم كل ما فيكم من حياء وأنوثة.

نيسان ـ نشر في 2018-01-16 الساعة 11:31


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً