اتصل بنا
 

مظاهرات إيران والنفاق الدولي والإقليمي

كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

نيسان ـ نشر في 2018-01-02 الساعة 10:50

نيسان ـ

لست معنيا بالحديث عن المظاهرات الإحتجاجية في العالم ،لأنها حق مشروع للجماهير في حال وجدت نفسها مظلومة ،شرط ألا تكون موجهة من الخارج لتنفيذ أجندة عدوة للوطن ،وألا تخرج عن نطاقها السلمي،بمعنى عدم اللجوء للتخريب وإحراق الممتلكات العامة أو الخاصة.

أنا شخصيا معني بالموضوع الإيراني من خلال حجم النفاق الدولي والإقليمي الهائل تجاه الشعب الإيراني وتحريضه على قيادته ،ليس حبا فيه ولا خوفا على مستقبله ،بل رغبة في إزاحة قوة إسلامية تجرأت وقطعت العلاقة مع مستدمرة إسرائيل الخزرية الصهيونية الإرهابية النووية ،وأغلقت سفارتها وسلمتها لمنظمة التحرير ،بمعنى أنها ظهرت في المنطقة المستسلمة للصهاينة بمظهر مخالف لم نعتد عليه.
ما يقوم به المجتمع الدولي تجاه المظاهرات الإيرانية هو نفاق واضح وكذب أشر ،لأن الغرب والمشرقيين المتصهينين التابعين له ،لا يرغبون برؤية قوة عربية أو إسلامية تعمل من أجل الكرامة والإنتقال من الإستهلاك إلى الإنتاج ،والخروج من واقع الخنوع والإستسلام إلى حالة الصمود والتصدي ،وقد نجحت إيران بفرض نفسها عضوا مهما في النادي النووي الدولي ،وهذا ما عجز عنه المال العربي السائب الذي إستقر في بنوك الغرب ثمنا لصفقات أسلحة لم تصل ،ولم ينفذ منها سوى بند العمولات للأمير أو الحاكم الذي وقع عليها .
السؤال المطروح هو :من الذي فرض حصارا طويلا على الشعب الإيراني لتجويعه وحرمانه من التطور كحق طبيعي له ؟أليست أمريكا بغض النظر عن الإدارة التي فرضته،ثم هل نسي الرئيس الإنجيلي الماسوني الطرمب ترامب تصريحاته المعادية للإسلام والمسلمين والعرب ،وكيف وصفهم ،وتعهده للشعب الأمريكي بأنه سيسيطر على المال العربي'السائب'ويحضره لأمريكا ،كي تنعم به وتشغل مصانعها وأبناءها ،في حين نرى البطالة والخلف عندنا بنسب عالية ؟ثم أليس هو من قال ساخرا من حلفائه العرب الأثرياء السفهاء انهم يشترون الشقة منه بخمسين مليون دولار؟
لنبدأ الآن بأعداء إيران الإقليميين الذي تضرروا كثيرا من سياسة إيران وشعروا بالحرج ،لأن هناك قوة عربية أو إسلامية خرجت من تحت عباءتهم وتمرجت عليهم بمخالفة سياساتهم الداعمة لمستدمرة إسرائيل،فهؤلاء أصلا لا يؤمنون بالحريات ولا بحقوق الإنسان ولا بالتعددية والتبادلية السلمية، وإنما هم عبارة عن طغمة فاسدة تمارس الديكتاتورية الجماعية وتحولوا مؤخرا إلى ديكتاتورية الفرد.
وهؤلاء أنفسهم ينهبون خيرات البلاد ويظلمون العباد ويمارسون الفساد على أصوله ،وينظرون إلى شعوبهم كرعايا يجب عليهم القبول بالحد الأدنى من العيش ،بينما الحاشية وقرادها يعيشون في نعيم ،وزكمت أنوفنا فضائحهم في عواصم الغرب والشرق،ومع ذلك يتهمون القيادة الإيرانية بالفساد والديكتاتورية ونهب الخيرات ،مع أن هذه القيادة نقلت إيران من بلد تابع إلى دولة نووية يحسب لها ألف حساب ويجلس معها الغرب خائفا ،لأنها لم تستسلم للعقوبات ولم تحدج من طموحاتها،بعكس جلوسه معهم محتقرا وحالبا وناهبا لثرواتهم ،كما فعل ترامب ولهف منهم نحو نصف تريليون دولار عدا ونقدا ،ناهيك عن الهدايات والنقوط والتبرعات لزوجته.
كما ان هؤلاء المتحفزين الذين دفعوا لترامب ملياراتهم للقضاء على إيران وتقوية مستدمرة إسرائيل ،قمعوا شعوبهم عندما تململت مطالبة بحريتها المكبوتة وحقوقها المنهوبة إبان الربيع العربي وفي حالات سابقة مثل تمرد جهيمان ،إذ تعاقدوا ولا يزالون يتعاقدون مع المرتزقة لحماية انظمتهم وقمع شعوبهم ،ولن ننسى أنهم أراقوا الدماء في الحرم الشريف وقتلوا جهيمان ومجموعته؟
أما أمريكا وفي عهد الطرمب ترامب فقد قمعت مؤخرا مظاهرات السود الإحتجاجية بأقسى وأقصى درجات العنف والإرهاب،كما أنها تدعم كافة النظم الديكتاتورية والإرهاب المنظم في كافة انحاء العالم ،ومع ذلك يظهر ترامب محرضا الشعب الإيراني على الخروج والإستمرار للقضاء على نظام حكمه ،وإستبداله بنظام عميل يعيد إيرانإلى مرحلة الشاه المقبور.
'حلال على أمي وحرام على إمرأة عمي'هذا هو حال الإقليم الداعم لمظاهرات إيران على وجه الخصوص ،فهم يبيحون ويدعمون غيرهم للتظاهر بينما يقمعون شعوبهم عند قيامها بأي حراك ،إحتجاجا على وصلت إليه من ذل وهوان ويأس وإحباط خاصة وان هؤلاء مؤخرا كشّفوا عن مؤخراتهم وأعلنوا يهوديتهم وتنازلوا عن القدس وفلسطين للصهاينة وبدأوا بالتطبيع العلني مع مستدمر إسرائيل.
واضح أن المال العربي السائب هو الذي موّل مظاهرات إيران ،وأوكلت المهمة للمجنون ترامب الذي يسيل لعابه على المال العربي السائب ،وهو يعلم جيدا ان أمريكا ستسهم وبجزء كبير في إعادة الإعمار في الدول التي دمرتها بطائراتها الحربية وبوارجها وإرهابييها وخاصة داش الذي سيفرم تنظيما إرهابيا آخر لإيران إسمه خراسان.
كان من الأجدر على الإقليم المحرض على إيران والمتحالف مع ترامب أن يضغط لتحرير فلسطين ويوظف أمواله لهذا الغرض ،لكنه كما أسلفنا يقوم بتخريب إيران كما خرب الساحات الأخرى ويحاصر قطر ويشترون الأراضي في نهاريا والعقارات المقدسية دعما للإستدمار الإسرائيلي ،الذي لولاهم لما بقيت مستدمرة إسرائيل باقيةحتى يومنا هذا وأصبحت مستدمرة نووية ،وهي في طريقها لإستعادة خيبر ويثرب منهم .
ترى لو كانت إيرانالحالية تسير على خطى العميل الشاه المقبور ، هل يستطيع الإقليم التحرك ضدها أوالتىمر عليها ؟ألم يكن بسطار الشاه المقبور مفصلا على مقاس الإقليم ،الذي كان يتعامل معه معاملة العبد مع السيد ،وكان الشاه صديقا للجميع ،ويفرض عليهم تجنيس إيرانيين بنظام الكوتا؟
وهل لو كانت إيران مطبعةمع مستدمرة إسرائيل يستطيع الإقليم الأهبل اللعب معها بهذه الطريقة ،وتجييش الغرب ضدها وشيطنتها والتحريض عليها ؟قطعا لا ولكن الحاصل أن الإقليم لا يريد رؤية قوة معادية لمستدمرة إسرائيل ،مع أن إيران لو 'إرتدّت' إلى مستدمرة إسرائيل ،فإنها ستتسلم الإقليم كله على طبق من الماس.
قلنا آنفا أن عداء الإقليم لإيران بدأ بنجاح ثورة الخميني ضد الشاه المقبور،ما أثار الهلع في نفوس الجميع أن التغيير سيطالهم ،ولذلك قاموا بتوريط العراق في حرب مع إيران أكلت الأخضر قبل اليابس ،ومن ثم ورطوا الكويت مع العراق وكان ما كان ،وتعمق العداء عام 2006 عندما صمد حزب الله اللبناني المدعوم من قبل إيران أمام آلة الإرهاب الإسرائيلي وسجل واقعة عجز عنها أي نظام عربي ،وإزداد العداء تعمقا عندما دخلت إيران النادي النووي الدولي وأجبرت الدول المعنية على توقيع إتفاق معها أطلق عليها إتفاق '5+1'.
عند ذلك تقرر شطب إيران لأنها تفوقت على الإقليم بذكائها وأصبحت فعليا تشكل خطرا على مستدمرة إسرائيل، التي إعتادت ان تكون الديك الوحيد في بيدر الشرق الوسط المتهالك بسبب حكامه الغبياء السفهار الأثرياء.
السؤال :أليسوا أثرياء ويستطيعون تطوير بلدانهم ونقل شعوبهم من حالة الذل إلى واقع العيش الكريم الرغد؟لماذا يفرح الشعب الكوري الشمالي عند أي تطور عسكري تحققه قيادته ،مع انهم يقولون انه شعب فقير جائع يحكمه رئيس ديكتاتوري ؟
لماذا يحاصرون قطر وفكرا بغزوها وتنصيب ثلة عميلة خانعة عليها ؟والجواب لأن قطر الصغيرة تجاوزتهم رغم أحجام عباءاتهم ،وسجلت مواقف مشهودة برفضها تنفيذ صفقة القرن والتنازل عن القدس والحقوق الفلسطينية .
هؤلاء يتخبطون بذلهم ويريدون إذلال الآخرين ، وما حصارهم لقطر وحصارهم المالي للأردن والتآمر عليه لإزاحته من أمامهم ،والتآمر على إيران والسودان والصومال واليمن وسوريا والعراق إلا نوعا من الخدمة المجانية لأسيادهم في مستدمرة إسرائيل.
هناك فرح غامر حاليا في عواصم التنمر الإقليمية تجاه ما يحصل في إيران ويبدوا ان العملية محبوكة جيدا لتحقيق الأهداف الصهيونية ،ظنامنهم انهم ناجون ،وهم لا يعلمون ان صفقة القرن ستقضي عليهم أولا، وستشطبهم قبل شطب الحقوق الفلسطينية ،وبالتالي فإنه لا يعون خطورة عودة اليهود إلى يثرب وخيبر عليهم أولا،ولا يعلمون انهمبسياساتهم الخرقاء إلى الشطب سائرون .
وأختم بسؤال وهو لماذا لم نسمع إحتجاجات امريكية على ما جرى مؤخرا من قمع في عواصم التنمر الإقليمي السائرة علانية في الركب الصهيوني؟أليس ما يجر هو النفاق بعينه والكذب والدجل ؟لا ألوم الخارج ما دام الداخل عندنا مضروب .

نيسان ـ نشر في 2018-01-02 الساعة 10:50


رأي: أسعد العزوني كاتب وصحافي وخبير في الشؤون الفلسطينية

الكلمات الأكثر بحثاً