اتصل بنا
 

القدس في الجمعية العامة

نيسان ـ نشر في 2017-12-26 الساعة 15:30

نيسان ـ

القرار الصادر أخيرا عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويطالب الجميع بعدم تغيير طابع مدينة القدس الشريف، أو مركزها، أو تركيبتها الديمغرافية، غير مُلزم، حتى للدول التي صوتت لصالحه.
لا تعكس كثرة عدد الدول التي صوتت ضد رغبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عطالة سياسية كبيرة، لكنها أحدثت ضغطاً إعلامياً استدعى غضب رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو. والتصويت بهذه الكثافة لصالح الفلسطينيين عادة سياسية درجت عليها الجمعية العامة، من دون أن يكون لذلك تأثير على مجلس الأمن، حيث القرارات فيه تجد طريقها إلى التنفيذ بحسب مزاج متبنيها. ما يلفت الأنظار هو القرار 'التجاري' الذي أصدرته، في قالب رسالةٍ، مندوبة أميركا في الأمم المتحدة، نيكي هايلي، وجاء على شكل تهديد بقطع المال عن الدول التي تستفيد من المساعدات الأميركية، وتدلي بصوتها بما يعاكس رغبات أميركا السياسية. وأثنى ترامب على قرارها، ووصفه صحيحا، ما يوحي بأن نيكي لا تملك الاستقلالية لدى بعض كبار موظفي الإدارة الأميركية، فهذه السيدة لا تخرج قيد شعرة عن توجهات ترامب، حتى تكاد تستقرئ رغباته وتطلعاته، وتترجمها إلى سلوك سياسي تؤديه في الأمم المتحدة. وهذه الرسالة التهديدية دليل ناصع على ذلك. وبشكل عام، يوحي عهد ترامب بنوع من التسلط على كبار موظفيه، ليؤدوا عملهم بأسلوب السكرتاريا التي تنفذ الأوامر، من دون اجتهاد شخصي كبير.
تاريخ الجمعية العامة متخم بقرارات لصالح الفلسطينيين، منذ وقت مبكر لإنشاء الأمم المتحدة، وقرارات كثيرة تدين الانتهاكات الإسرائيلية، وأخرى تدعو إسرائيل إلى احترام الشعب الفلسطيني ومقدساته ومدينته القدس، أو تدين الجدار الفاصل، وسياسات الاستيطان الإسرائيلية. ولم تثن كل تلك الإدانات، والسلة المليئة بالقرارات غير الملزمة، ترامب عن عزمه على حزم أوراقه الدبلوماسية، والانتقال إلى القدس بوصفها عاصمة لإسرائيل، ولديه الرغبة بأن تحذو الدول التابعة لأميركا حذوه.
يعكس العدد الكبير من الدول الداعمة قرار رفض نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس، مع فقدانه الزخم السياسي الموازي، تقية تمارسها الدول الداعمة للقرار، أو عجزا عمليا لا تستطيع معه ترجمة ما تتخذه من قراراتٍ في الجمعية العامة، وكأنها تختبئ وراء عبارة 'غير ملزم' لتصوّت بما تصوت به. وفي المقابل، يظهر تفوق الدولة الوحيدة الرافضة هذا القرار وهيمنتها وسطوتها الساحقة، بحيث تظهر قدراتها على معادلة العدد الكبير المصوت لصالح القرار. وقد يكون تصريح وزير الخارجية البحريني 'ليس من المفيد الدخول في معركة مع الولايات المتحدة حول قضايا جانبية، بينما نكافح معاً ضد الخطر الواضح والحالي للجمهورية الإسلامية الفاشية' نموذجاً لتلك التقية السياسية.
لطالما اختبأت إسرائيل وراء عبارة 'غير ملزم'، وتصدّت فيما مضى لانتفاضتين فلسطينيتين بقسوة وهمجية، واحتلت القدس، وارتكبت مجازر وتجاوزاتٍ يخجل منها أي محفل دولي، وكأن عبارة 'غير الملزم' شكلت جواز مرورٍ لمزيد من التعنت المسنود من قوى عظمى، وتهافت مقابلٍ، من قبيل هذه القرارات الكرتونية التي تعطى على شكل جوائز ترضية غير قابلة للصرف، بعد انفضاض المجلس. كانت مساحة فلسطين خلال هذا الوقت تتآكل، وتصغر، لتتحول الدولة إلى جزر سكانية شبه معزولة، وسط طوفان من الاستيطان.
لا تبدو الساحة العربية وسط انقساماتها العميقة الطولانية والعرضانية، وخلافاتها الراهنة في كل الاتجاهات وبين كل التيارات، جاهزة لتقويض خطوة أميركا الظالمة بحق الفلسطينيين وعاصمة دولتهم، وفي ظل انقسام فلسطيني أكثر عمقاً، واختلاف جذري في طريقة التعاطي مع إسرائيل، لم يجد له حلاً على الرغم من المؤتمرات والنيات الحسنة، فقد تسير الأمور لصالح أعداء فلسطين، وقد يكون الوضع الرث هو أصلاً ما ساعد ترامب على اتخاذ قراره بنقل العاصمة، وقد يساعد إسرائيل، في ظل استمرار الحال، على مواجهة عقابيله في الداخل.
مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-12-26 الساعة 15:30


رأي: فاطمة ياسين

الكلمات الأكثر بحثاً