اتصل بنا
 

موسى والخضر ومالك بن فهم

نيسان ـ نشر في 2017-09-04 الساعة 14:23

كتاب يعيد ربط جغرافية التوراة بالجزيرة العربية بدلاً من فلسطين يثير جدلاً في العالم العربي
نيسان ـ

بعد كتاب المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي،'التوراة جاءت من جزيرة العرب'، تكاثرت الكتب والمقاربات العربية التي تعيد ربط جغرافية التوراة بالجزيرة العربية، وليس، كما هو شائع، في فلسطين. كان كتاب الصليبي الذي أصدره في أواسط ثمانينيات القرن الماضي بمثابة صاعقةٍ نزلت على رؤوس مؤرّخين، رجال دين، دوائر دراسات توراتية، وزارات إعلام عربية (سعودية تحديداً)، فاستنفرت كامل ترسانتها للرد على 'هرطقة' الصليبي الذي 'عيَّروه' باسمه العائلي، وقالوا: للرجل من اسمه نصيب!
كانت تلك الردود أقل إقناعا من أطروحة الصليبي التي أضعفها البرهان المادي. فلم يكن ممكناً له (في أي حال) أن يقوم برد الأسماء التوراتية إلى مناطق محدّدة في الجزيرة العربية بعمل آثاري، فذلك من سابع المستحيلات في السعودية التي كان علم الآثار فيها يعني النبش في سير الأمم الوثنية التي طواها الإسلام. كانت الفرية ضد الصليبي جاهزة: إنه يحرّض إسرائيل ضد السعودية، أو يدعوها لاحتلال السعودية! طبعاً، هذا هراء. فليس هناك، في ظني، مؤرخ أكثر عروبةً، بالمعنى الثقافي والتاريخي، من هذا المؤرخ اللبناني العظيم.
هذا جدل قديم – متجدّد، أعادته إلي قراءاتي عن تاريخ عُمان، لمناسبة إعدادي نص رحلتي إليها للنشر. فقد لفت نظري كلام محيّر للمؤرخ العماني، نور الدين السالمي، في كتابه 'تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان'، الذي أهدانيه حفيده زاهر السالمي، عن مالك بن فهم الأزدي مؤسس الوجود العربي في عُمان وسواحلها. يصعب فصل الواقعي من المتخيل في روايات هذا الكتاب. خصوصاً، عندما يتناول الأزمنة العُمانية الأولى. كانت أجزاء من عُمان، في زمن مالك بن فهم، يحتلها الفرس. فلما وصل الأزد بقيادة بن فهم، قادمين من 'اليمامة'، في أرض الحجاز، إلى 'قلهات' القريبة من ميناء 'صور' العُماني مارّين بحضرموت فوادي 'مسيلة' ومنه إلى 'سيحوت'، توقفوا هناك. علم مالك أن جيشاً عرماً بانتظاره، فبعث رسالةً إلى 'المرزبان'، عامل الملك الفارسي على عُمان، يقول له فيها: 'لا بدَّ لي من المقام في قُطْر من عُمان، وأن تواسوني في الماء والمرعى. فإن تركتموني طوعاً نزلتُ في قُطْرٍ من البلاد وحمدتكم، وإن أبيتم أقمت على كرهكم، وإن قاتلتموني قاتلتكم'.
رفض عامل الملك الفارسي طلبه، فاستعد مالك لمقاتلته. وقيل إن الجيش الفارسي المرابط في عُمان كان يبلغ زهاء ثلاثين ألف رجل، فيما لم تتجاوز عزوة مالك بن فهم عشرة آلاف.
ويفيد بعض الروايات أن القتال بين الجيشين الذي دارت رحاه بالقرب من مدينة نزوى، في وسط عُمان، استمر نحو أربع سنين، كانت الغلبة فيه لأتباع مالك بن فهم الذي بسط نفوذه، كما تفيد الروايات التاريخية، على البرِّ والبحر، وصارت تنسج حوله الأساطير. فها هو نور الدين السالمي ينقل روايةً معنعنةً عن آخرين، يقول فيها إن مالك هو الذي جاء ذكره في القرآن بأنه كان يأخذ كلَّ سفينة غصباً. ويحيلنا هذا، طبعاً، إلى قصة موسى والخضر.
يقول السالمي: 'انطلق موسى والخضر ويوشع بن نون، حتى إذا ركبوا السفينة ولججوا خرق الخضر السفينة وموسى عليه السلام نائم. فقال أهل السفينة ماذا صنعت؟ خرقت سفينتنا وأهلكتنا. فأيقظوا موسى، وقالوا ما صحب الناس أشرّ منكم. خرقتم سفينتنا في هذا المكان. فغضب موسى، حتى قام شعره فخرج من مدرعته واحمرّت عيناه، وأخذ برجل الخضر ليلقيه في البحر، فقال 'أَخرْقتَهَا لتُغْرقَ أَهْلَهاَ لقدْ جِئتَ شيئاً إمْراً'. قال له يوشع، يا نبي الله، اذكر العهد الذي عاهدته. قال صدقت. فردَّ غضبه، وسكن شعره، وجعل القوم ينزفون من سفينتهم الماء، وهم منها على خطر عظيم. وجلس موسى في ناحية السفينة يلوم نفسه، يقول لو كنت في غنىً عن هذا في بني إسرائيل أقرأ لهم كتاب الله غدوة وعشيةً فما أدناني إلى ما صنعت؟ فعلم الخضر ما يحدّث به نفسه فضحك، ثم قال 'ألم أقلْ لكَ إنّك لن تستطيعَ معي صبراً'. نلاحظ أن الآيات التي يستشهد بها السالمي هي من القرآن، كما نلاحظ أن جغرافية هذه الحكاية أبعد ما تكون عن فلسطين. فكيف تسنَّى لروايةٍ عربيةٍ قديمة أن تجعل مسرح قصة موسى (ومعه خلفيته يوشع) في مكانٍ بالجزيرة العربية وليس في فلسطين؟ هذا هؤ السؤال.

نيسان ـ نشر في 2017-09-04 الساعة 14:23


رأي: أمجد ناصر

الكلمات الأكثر بحثاً