اتصل بنا
 

مدى فوقية مشروع القانون المقترح من رئيس الجمهورية

كاتب تونسي

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 12:46

اقتراح قانون للمساواة في الميراث وتنقيح مجلة الأحوال الشخصية في تونس: جدل وتحديث نوعي للمجتمع
نيسان ـ

وفق الدستور اقترح رئيس الجمهورية مشروع قانون على مجلس النواب بصفته السلطة التشريعية للبلاد فحواه : المساواة بالميراث بين الرجل و المرأة، و تنقيح مجلة الأحوال الشخصية بما يخص الحقوق والحريات، تحديدا إمكانية المرأة الزواج بغير المسلم ومن أي مكان كان ...
كانت ردود الفعل متفاوتة إلى حدّ التضادّ وهذا دليل على صحّة المجتمع وحركيته الثقافية وتفاعله مع الشأن العام, والأجمل هو الهدوء الواقعي ممارساتيّا . ( بمنطقتي على الأقل و قبول الأغلبية مع تخوف نفسي طبيعي لانه تارخي إرثي ثقافي )...الجدال كان و لا يزال هامّا جدا بالافتراضي و واقعيا معاشا ...
أغلبنا يريد التحديث الفعلي و العملي و لكن أيضا تحديث نوعي بمعنى تأهيلي نفسي و ثقافي داخلي و ليس فوقيا أو خارجيا ...
هذا يجرنا إلى السؤال بالضرورة هل هذا الاقتراح يتماشى و الوضع الراهن نفسيا و اجتماعيا وثقافيا للبلاد ؟؟
السؤال يحيلنا إلى قراءة المجتمع و متغيراته عبر الحقبات التاريخية أولا كمنهج علمي ثم مدى دستورية القانون المقترح . بتوطئة الدستور : ' تعبيرا عن تمسّك شعبنا بتعاليم الاسلام و مقاصده المتّسمة بالتّفتّح و الإعتدال و بالقيم الإنسانية و مبادئ حقوق الإنسان السامية الكونية واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا, و من حركاتنا الإصلاحية المستنيرة.' ... لنرى اذا ...
تاريخيا :
حسب المدونات في فترة ما بين 725ميلادي و 743 ميلادي : خطب عبد الله ابن العباس الذي صار خليفة ببغداد أروى ابنة منصور بن عبد الله الحميري فاشترطت عليه : ' ألاّ يتزوج غيرها وهي معه و ألا يتّخذ عليها السرايا معها ' و إلاّ فإنّ طلاقها بيدهها على عادة أهل القيراون ( بما يعرف بالصداق القيرواني ) ...
تكفي الإشارة الأخيرة فهي أعمق من الحدث بحدّ ذاته لأنها تمثل تمرّدا شائعا لدى القيروانيات بمعنى رفض تعدد الزوجات ...رفض للسائد الاسلامي و القيروان اولى فتوحات الاسلاميين بافريقيا ...
كان الردّ بنهاية القرن الثامن عشر من الشيوخ الزيتونين على رسائل التهديد الوهابي واضحا كل الوضوح بالرفض و إن أغلق باب الحوار فتونس بشبابها مستعدة لكل التهديدات و خوض الحروب ...
في 13 أوت 1956 أصدرت لجان من شيوخ زيتونيين كلائحة الشيخ جعيط و لجنة من المذاهب الحنفية ( تونس معروفة بانتسابها للمذهب المالكي ) و المختصين المحامين و القضاة بالقانون، الحديث وقتها مجلة الأحوال الشخصية و التي تعتبر ثورة تحديثية حيث وقع إلغاء تعدّد الزوجات و حق المرأة بتقديم دعوة في حق الطلاق, و طبعا أخذ القرار تواصلا مع الحركات الإصلاحية واجتهاد فقهي متناسب مع الوضع الخاص للبلاد، وها نحن اليوم نعرف نتائجه الايجابية بالممارسة و الشأن العام ... الخطوات الجبارة بناء للمستقبل و تجنب لكل العنف ...
حركة النقابات التي أحدثها فرحات حشاد و اسس اتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 . و قبله الحركة النسوية الاسلامية المناهضة للاستعمار و ذلك تحت اشراف المناضلة بشيرة بن مراد التي أسست الجمعية النسائية سنة 1932 بالبداية كانت خيرية ثم تحولت الى حركة تحررية سنة .1947

كتابات رائد الحداثة المحلية الطاهر الحداد وهو زيتوني التكوين ' امرأتنا في الشريعة و المجتمع ' سنة 1930 حيث دعا إلى حرية المرأة و تعليمها ومشاركتها الفعالة بالمجتمع ..

واقعيا و اجتماعيا :
المرأة التونسية و قبل أسلمة البلاد كانت تعمل بالزراعة و الأنسجة و ترعى الأغنام مع زوجها ...بمعنى تاريخيا هي امرأة مساهمة ميدانيا و منتجة بالعائلة ...
بالفترة الاستعمارية تدفع بنيها و بالرجال للجبال للتّدرّب و محاربة المحتلين و تبقى هي معتنية بالبيت و كل الاعمال الفلاحية و المواشي و الاغنام ...
منذ الاستقلال و حتى قبله كانت و لا تزال إلى اليوم تشجع بناتها و تذهب معهن للحقول و جني الزيتون و كل المحاصيل ( زيتون – طماطم – بطاطا – كاكاوية- ودرع –الذرة – الحبوب ..و...) ...هذا وهي التي تقوم بإحضار العولة ( العُولة من فلفل و طماطم و كسكس و برغل و محمصة ..و..و...) و تعمل بالانسجة الصوفية و تحضير ملابس الابناء ...
امام التحديث, عند نشأة الدولة العصرية لم تبتعد عن ذلك بل تعمقت أكثر و أكثر و صارت تشارك مناصفة مع الرجل بتأثيث البيت و حتى بتشييده و تعمل بالمصانع والمزارع وبالادارات و قطاع الخدمات و كل مكان ...هذه المرأة التي لم تتعلم أو الظروف جعلتها لم تكمل دراستها و لم اتحدث بعد عن الطبيبة و المهندسة و الدكتورة و الاستاذة و القاضية لانها تعيش بنفس الوعي الايجابي التشاركي مع الزوج بكل مصاريف البيت ان كان بيت الاب و الاخوة او بأسرتها الخاصة ...هذا حال الواقع الاجتماعي و الانتاجي و المعيشي ...
...
هكذا المرأة التونسية تشارك ندا للند بمصاريف البيت و حاجيات الابناء وهي بكل ذلك لا تتفاخر بل تعيشه بكل حب و شعور واجب كليا ...المسالة ليست ترفا بل احساس بعمق الحياة و مساهمة لنجاح الابناء و منه الاجيال اللاحقة ... حتى لما يكون الرجل مترفا ماليا فانها ترفض عدم المشاركة من أجل بيتها ....

فهل بكل هذه المتغيرات الاجتماعية و الانتاجية و في عالم ازدادت حاجات الفرد و الاسرة مقترح كهذا بالعدالة و المساواة بالميراث بين المرأة و الرجل يُعتبر مشروعا فوقيا ؟؟؟
إذا كان المصلحون تمكنوا بإرادة فاعلة في إصدار قانون : إلغاء تعدد الزوجات فكيف نجحف نحن اليوم أمام هكذا قرار تواصلا مع الإصلاح و التحديث ؟؟..
الوعي الثقافي و القانون و السياسة :
قيمة القانون و أهميته هو دفع عجلة التحديث و المضي قدما و خلق مناخ يعمل على ترسيخ مجتمع مدني و دولة القانون سلوكيا و ممارسة ...
هناك من تعلل أن النص قطعي و يمكن لقانون مثلا هذا أن يُنتج حقدا على المرأة أو ارتدادا للتشدّد الديني و يُسدّد خدمة للإسلام السياسي ؟؟؟
لكن هل حقا مسألة نص أم مسألة عدم اجتهاد فعلي و تكريس نفس المقاييس القديمة على وقتنا الحاضر ؟؟؟ كل تلك الجرائم التي قامت بها داعش و لم يجرأ الأزهر على تكفيرها أو حتّى تجريمها .. قال عبد الرحمان الكواكبي ' الدين في خدمة الناس و ليس الناس في خدمة الدين ' ثم ما هي قيمة النص إن لم يحفظ كرامة الفرد و الانسان , أليس مصلحة الانسان قبل النص الظاهري ...المسالة ليست النص بحدّ ذاته بل تلك الذكورية التي تخاف زحزحة الموروث حتى لا تفقد امتيازاتها خاصة أن الفقه القديم و الاجتهادات اعتمدت اساليب قديمة منسجمة مع واقعها الخاص بها و ذلك الزمان .... فالميراث مثلا مرتبط بتعدد الزوجات و قوامة الرجل على المرأة و الظروف الانتاجية وقتها ...... فما هي علاقته اليوم بكل تلك الحالات المنتهية واقعيا و عمليا ؟؟ المجال اجتماعي متغير و ليس طقوس دينية فهل حقا لا يحتمل النص الاجتهاد ...الدين بحدّ ذاته لما اراد تغيير بعض العادات حاول التغيير ببطء لانه يعتمد على مبدأ الجدل وفق الزمان فلا تحجّروه ...
فوفقا للدستور و غاية التحديث الاجتماعي و بناء مواطنة حقيقية يكون الطرح سليما و في وقت ملائم أمام ما اكتسبناه من حرية و مكرّسا لأهداف الثورة كرامة المواطن ..

أمّا سياسيا فكثير من التيارات رغم أنها موافقة على الفكرة لكنها تتوجس خوفا من أنّ المقترح تحت إملاءات غربية و ضغوط الصندوق الدولي ..
أولا لنتفق من حيث المبدا , فبالفصلين 21 و 24 من الدستور : فصل 21 :' تضمن الدولة للمواطنين و المواطنات الحقوق و الحريات الفردية و العامة و تهيّء لهم أسباب العيش الكريم ' و فصل 24: لكل مواطن الحرية في اختيار مقر اقامته و في التنقل داخل الوطن و له الحق في مغادرته ' بهذا المبدإ نقرّ لكل إنسان باختياره الحر لنمط حياته و فكره فما الخوف من أن تختار إمرأة تونسية زوجها و لو كان غير مسلم ؟؟ بهذا المبدإ نقر إستقلالية الفرد و حريته و الطمأنينة للأقلية أيضا داخل وطنهم ..ثم كيف نسمح لها بالانتخابات و تقرير من تختار بكل الشأن العام و نرفض اختيارها الحر لحياتها الخاصة ؟؟
أولا نحن نسعى لبناء دولة مدنية دولة المواطنة الفعلية ممارسة و سلوكا و قانونا ... لذلك فالطرح صائب .
أمّا من يؤول المشروع بامكانية الخيانات الداخلية و الاملاءات الخارجية فهذه مهمته و مهمة الدولة بمعنى محاربة الفساد و الخونة او لنلغي الدستور مادام نبحث على بتر الحرية .. هذا مبدأ المواطنة , أمّا أيديولوجيا فمن يتوجّس الخوف فعليه بالقيام بدوره المراقبي و السهر على تطبيق الدستور مادام يحمل الفصول عن مقاومة الفساد و شفافية المعلومة و الكشف عن ممتلكات المتنفّذين بالسلطة..
مشروع قانون هذا قفزة هامة نحو المساواة الفعلية و خطوة جادة للمواطنة و كرامة الانسان فلا نبقى نتجادل في دائرة مغلقة .. لا يلهينا عن القضايا الأساسية طبعا وهي محاربة الفساد و التصدي للخوصصة المفرطة و المفرّطة بثروات البلاد و مشاكل التنمية الحقيقية ...
فلا يمكن أن يكون قانون كهذا مجدّا و ناجعا سلوكيا و نافعا في ظلّ تدهور الحال الاقتصادي و ازدياد عدد العاطلين عن الشغل و خاصة بالمناطق الفقيرة ...حتى يتوازن المجتمع أكثر و تتحسن علاقة المراة بالرجل فلابد من العمل التنموي الذي يخلق أكثر فرص للاستقلال المادي للأفراد ... كذلك لابد من مقاومة الفساد و الاستغلال , فكلما تقلص الاستغلال كلما تحسنت العلاقات الاجتماعية و علاقة المراة و الرجل بالذات و تجنبنا استغلالها جسديا و نقص العنف بينهما و تدعمت الاخلاق الواعية الجمعية .... هكذا لا مجال يستقيم دون تكاتف كل القطاعات من أجل خلق مناخ حداثي فعليا : التربية و التعليم والثقافة والتنمية لتحسين الحالة الاجتماعية و المادية التي هي ركيزة كرامة المواطن ...

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 12:46


رأي: سمير عبيد كاتب تونسي

الكلمات الأكثر بحثاً