اتصل بنا
 

ثقافة المعارضة بين الحب والكراهية

نيسان ـ نشر في 2017-08-17 الساعة 13:13

المعارضة الحقيقية في السياسة: برنامج ورؤية مستقبلية بدلاً من الحب والكراهية والإشاحة.
نيسان ـ

نميل إلى فلانٍ الفلاني، ونشيحُ بوجوهنا ومشاعرنا عن فلان الآخر، نحب فلاناً ونكره فلتاناً، ونطري مواقفَ رجل ونهجو سلوك رجل آخر، ولكن هل في السياسة حب وكراهية وميل وإشاحة؟ هل في السياسة إطراء وهجاء جاهلي؟

المعارضة ليست أن نحب ونكره أو نطري ونهجو، المعارضة أن نرفض أداء فلان ونكشف مثالبه وخططه وفساده، التقبل والمعارضة يتوقفان على مدى صلاحية هذا السياسي وذلك الآخر لأن يحكم ويتحكم في مصائر الناس: من حكماء وفقراء، وجهلة ومثقفين، وأكاديميين ومتخصصين، وعلماء مبرزين، وفنانين مبدعين، وقانونيين. هل نجد بين رجال السياسة في أوطاننا من هو جدير بأن يحكمنا؟ وأن يتحكم بكل هؤلاء الناس من مختلف الثقافات والأعراق؟ هل ثمة سياسي يؤمن بحقوق الفرد ضمن المجتمع ويتطلع إلى المستقبل؟

سيكون الجواب المتوقع: كلا، وإذن يجب أن نعارض هذا الرجل وأمثاله، ليس بمقياس الحب والكراهية بل بمعايير الحكمة والمخيلة وامتلاك الرؤى المستقبلية وجودة الأداء والجدارة والقدرة على إدارة الأزمات ومعالجتها، ونزاهة الروح ونظافة اليد والتناغم مع العالم وتحولاته، والاطلاع على ثقافة العصر السياسية والفكرية ومعطيات الفلسفة، فهل نعثر بين سياسيينا على واحد بالألف يحوز على هذه السمات؟

هل نحن معارضون حقيقيون أم مدفوعون ببعض فيوض العاطفة البدائية والحماسة الآنية والرفض القاطع ومرارة القنوط؟ هل نحن قادرون على التمييز بين الغضب والمعارضة؟ وبين الكراهية والمعارضة؟

حسنا، كيف تكون المعارضة إذن؟ هل تكفي المظاهرات الصاخبة؟ هل تكفي البيانات المدبجة بلغة تخاطب حرمانات الناس وأحلامهم؟ كيف تكون المعارضة ونحن لا نمتلك ثقافة الاعتراض والحوار ومناقشة الأداء الحكومي؟

عندما نعارض يتوجب علينا بدءًا أن نضع برنامجا نرد به على السياسات الملفقة، على الأداء الفاشل، على فقدان النزاهة، وعلى جهل هواة السياسة من الحاكمين الذين يتخذون الحكم أشبه بـ”فزعة” دينية أو عشائرية أو طائفية أو عرقية، أن نكون معارضين فاعلين وحقيقيين، أن نتصدى لكشف الفساد بطريقة علمية تؤشر بالأرقام ما حصل ويحصل ونتائج ذلك على المجتمع، أن نكشف سلوك السياسيين وتدني ثقافتهم المجتمعية والفكرية والسياسية ثم نقدم رؤية مستقبلية لما ينبغي أن تكون عليه الأمور في حدود الممكنات والضرورات الملزمة، لا يكفي أن نتشاجر في الفضائيات بينما السياسي يدلس في القول والفعل ويسخر من وعينا بأكاذيب مكشوفة لكل ذي بصيرة وضمير، لا يكفي أن نحمل اللافتات ونصدح بالشعارات الكبيرة حتى تبح أصواتنا، المعارضة تأسيس وفعل وأداء، المعارضة وعي بالحاضر وتصور للمستقبل، هل يكفي أن نكره لنكون معارضين؟ هل يكفي أن نرفض أساليب السياسيين في الالتفاف على القوانين؟ كلا لن يكفي، طالما أن الدستور الملفق يسند أحابيل الساسة وطائفيتهم وارتدادهم إلى عصور الكهوف، فعلى المعارضين أن يقترحوا تعديلات أساسية على الدستور الملفق، أو يقترحوا دستورا يستوفي متطلبات الدولة المعاصرة ويعترف بمتغيرات العالم وتحولات السياسة الدولية وآفاق الفكر المعاصر.

هل بوسعنا تعميم ثقافة المعارضة الرصينة بين الناس؟ هل بإمكاننا مواجهة الوسائل التي يمتلكها السياسيون ويسخرونها لتمرير مخططاتهم وخرائط تمزيق الوطن؟ هم يملكون الجوامع والحسينيات والفضائيات المحرضة على الكراهية والعنف والطائفية، فهل يملك المعارضون -بالمقابل- وسائل إعلامهم الرصينة ليعلنوا برامجهم ورؤاهم الواضحة؟

نيسان ـ نشر في 2017-08-17 الساعة 13:13


رأي: لطفية الدليمي

الكلمات الأكثر بحثاً