اتصل بنا
 

هل أنت متفائل

نيسان ـ نشر في 2017-07-02 الساعة 12:51

يتردد في التعبير عن مخاوفه وشكواه ويسعى جاهداً لتغيير الواقع وتحسينه.
نيسان ـ

هل صحيح ما قاله الروائي البرتغالي صاحب نوبل خوسيه ساراماغو بأن الوحيدين المهتمين بتغيير العالم هم المتشائمون؟ فالمتفائلون برأي ساراماغو هم سعداء بما يملكون وبما هم عليه ويغلب عليهم الرضا والقبول بالحياة كما تعرض لهم ويتوقعون الأفضل دائما.

وهذا الرأي يتناقض كثيرا مع نتائج دراسات علم النفس وبحوث الشخصية، فهل تختلف رؤية الروائي الحالم الذي يتخذ التخييل سبيلا لمعالجة مواقف الحياة ومعضلاتها عن رؤية العالم الذي يحتكم إلى التجارب الميدانية والإحصائيات ويوظف النتائج المحسوبة في طرح رؤاه ونظرياته؟

حسب معطيات بحوث علم النفس يميل الشخص الناجح عادة إلى التفاؤل والشعور بالارتياح، وتميل شخصية الناجحين المستقرين نفسيا إلى الانبساط والمرح والنظر بايجابية إلى الحياة ومعضلاتها والبحث عن الحلول الممكنة لتجاوز تلك المعضلات، وكذلك يفعل الأقوياء المتباهون فهم يميلون إلى التمسك بالتفاؤل ويعدونه عنصراً مهما في إبراز شخصياتهم؛ فيتمسك القويّ بما هو مبهج ومريح ويفكر بالنجاح ليل نهار ولا يخطر له الفشل على بال، ويساعده تفاؤله على المضي قدما، وشخص مثل هذا لا يجد الشك سبيلا إلى نفسه، ويمنحه الشعور بالقوة والتفاؤل طاقة ايجابية وقدرة على العمل.

هذا ما نعرفه في الأقل من معطيات علم النفس التي تضيف أن الإنسان الفاشل والضعيف الذي تسيطر عليه انعكاسات فشله وإحباطه يكون عاجزا عن النمو الوجداني ويعوزه نضج الشخصية فيتلبّسه التشاؤم، وعندما يشرع في أي عمل يتملكه الخوف والخشية ويتوقع الفشل في كل خطوة يقدم عليها، ويرتاب بالناس المحيطين به ويجتاحه شعور طاغ بأن الآخرين يخططون للإيقاع به..

على النقيض من هذه الرؤية التي ترفدنا بها دراسات علم النفس، يرى بعض المفكرين والفلاسفة بأن المتفائل يفسر الأزمات تفسيراً مبسطاً ينحو إلى التهوين من خطورتها ويتجنب التفكير الزائد في ملابساتها، حتى ليبدو أنه شخص قدري يستسلم للحوادث ولا يقاومها وينظم حياته على الرضا بكل ما يعرض له بلا مقاومة أو محاولة لتغيير الوقائع.

وفي المقابل يبدو المتشائم في نظر الفلاسفة شخصا مرتابا يرفض القبول بالواقع ويتعامل بحسٍّ نقدي عالٍ مع الأمور التي لا تتناسب مع معرفته العميقة بالناس والحياة والحوادث، ولا ترضيه الأمور التي تفرض عليه، بل يجد في ذاته القدرة على مقاومتها وإيجاد الوسائل التي تعينه على تخطي شرورها، ويختلف التشاؤم الفلسفي لدى مفكرين وفلاسفة كبار أمثال شوبنهاور الذي ينطوي تشاؤمه الواعي على موقف معرفي من العالم، فهو يدرك جيدا أن عالمنا خلوٌ من المعنى، وأن الحياة ذاتها غير جديرة بالعيش وما نعيشه هو محض اندفاع متواتر نحو الهاوية المحتومة، وفي عالم يخلو من المعنى يتحرك البشر بفعل إرادتهم المضللِة التي لا منطق يحكمها، ومن هذه النقطة الشائكة -معرفة اللامعنى- كان بوسع شوبنهاور أن يفهم الناس والوقائع والوجود ويتعمق في وعي حياته وطبيعة العالم ويتجاوز بذلك الخوف والشك بل ينتج تشاؤمه فيضا من التفاؤل في هذا الموقف المؤسس على المعرفة بالشرور والمزالق والخواء الذي يكتنف عالمنا ونظرتنا إلى الإنسان والوقائع.

يراهن المتشائم على المعرفة والوعي بالتفاصيل اللامرئية التي لا يدركها المتفائل فلا يقع في فخ الأفكار التعميمية عن القيم والفضيلة والنجاح وغيرها، بينما يراهن المتفائل على الرضا السطحي والقبول بالقدر؛ بينما يشرف المتشائم من علياء إدراكه ومعارفه وحساسيته على العالم، في حين يقف المتفائل وسط سحابة مشوشة من الأحلام الخلّب.

نيسان ـ نشر في 2017-07-02 الساعة 12:51


رأي: لطفية الدليمي

الكلمات الأكثر بحثاً