اتصل بنا
 

كربلاء واخواتها(1).. لماذا ثاروا ؟؟

كاتبة أردنية

نيسان ـ نشر في 2017-04-17 الساعة 12:04

نيسان ـ

الزمان ، شهر آذار عام 1991 ، بعد مضي 45 يوما على القصف المتواصل لطائرات التحالف الثلاثيني على مدن العراق ، الجيش العراقي ينسحب بشكل غير منظم من الكويت ، عادوا الى العراق والكثير منهم قطع مسافات طويله سيرا على الاقدام ، بعضهم ممزق الثياب واخرون حفاة ، ومنهم من تم اسره من قبل قوات التحالف قبل ان يدخل الحدود العراقيه .
كانت الظروف مهيئة لبداية فصل جديد من فصول الرواية العراقية الطويلة ، انطلقت شرارة التمرد او الثوره ( كما يسميها من قام بها) من البصره لتمتد الى اغلب مدن العراق بما فيها مناطق كردستان .
كنت اتابع الانباء من خلال وسائل الاعلام مثل غيري من الناس، وكنت احسب قبلها ان العراق ، كل العراق ، على قلب رجل واحد .
من قاموا بالثوره اسموها الانتفاضه الشعبانيه المباركه ، لان انطلاقها كان في شهر شعبان ، اما النظام العراقي ومن ايّده فاسموها صفحة الغدر والخيانه .
وبعيدا عن المسميات ، فقد كتب الكثيرون عن ما جرى في ذلك العهد ، ومن ابرز من كتب وأرخ للاحداث ،الصحفي العراقي عباس ناظم الزبيدي ، ابن كربلاء الذي عمل بالصحافه الكويتيه فترة طويلة ثم عاد الى العراق فيمن عادوا بعد الغزو ، وعايش الاحداث الدامية في مدينته لينتقل بعدها الى الاردن بحثا عن حياة كريمه لاسرته ، وفي عمان ولدت فكرة الكتاب
وطبع في بيروت عام 1997 تحت عنوان ( من مذابح الطاغيه) ، وللحقيقة فانه ليس العنوان الاصلي الذي اراده ووضعه المؤلف ، فقد اختار له عنوانا يحمل شيئا من الكوميديا السوداء ( من مذابح الامبراطور) ولكن كان للناشر رأي آخر في الامر .
المؤلف يعرض تفاصيل وحكايات وروايات عايشها في تلك الايام العصيبه بلغة ادبية جزله وهو صاحب الباع الطويل في الروايه ، مدفوعا بفضول الصحفي يلتقط المشاهد والاخبار ، يوثق الاحداث ، وللحظة الاخيرة قبل طباعة الكتاب ، كان يخطط لوضع اسم مستعار على كتابه خوفا من ان تطاله يد الاجهزة الامنية العراقية ، لذا خبأ حكايته الخاصه بين حكايات الكتاب ، وقام بالتمويه على تفاصيله العائليه كي لا تكتشف شخصيته مكتفيا بالقول : شاهد صاحبنا ، او سمع صاحبنا . فماذا يقول (صاحبنا) ابن كربلاء عن ما جرى في مدينته في تلك الايام :
يؤكد الكاتب ان الثورة كانت عراقية خالصه بعكس ما اراد الاعلام العراقي الرسمي اقناع العالم به ، بأن من قاموا بالثورة هم غوغاء قدموا من خارج الحدود . ويسهب في شرح الاوضاع في العراق عموما وفي كربلاء خاصة في ظل حكم اسرة صدام حسين والبعث، من فساد اداري واستحواذ على مقدرات الدوله والقمع وتقييد الحريات والاعتقالات بدون محاكمه والاعدامات ، بالاضافة الى الحصار الاقتصادي الخانق على العراق ، ثم احتلال الكويت وتدفق الاف العراقيين الى هناك باعتبارها اصبحت المحافظة العراقية التاسعة عشرة ، هناك شاهدوا الرفاهية التي يحيا بها الشعب الكويتي والتوظيف الجيد للثروة النفطيه ، وهو ما لم يشاهدوه في بلادهم ذات الخيرات الزراعيه والنفطيه والسياحيه مما زاد من السخط الشعبي على نظام البعث .
يستذكر الكربلائيون كيف اشترى حسين كامل ابن عم الرئيس مصنع تعليب فواكه كربلاء بسبعة ملايين دينار من الدولة ، في حين كلّف الرئيس الاسبق عبد الكريم قاسم عام 1961 (35) مليون دينار وارباحه السنويه (50) مليون دينار .
مظالم كثيره لحقت بابناء المدينة جعلت حتى من بعض المخلصين منهم لحزب البعث ثوارا في وجه السلطه .
كانت محافظات الجنوب وخاصة البصرة قد انهكتها حرب الثماني سنوات مع ايران ، وعانت من التهميش ،وجاء احتلال الكويت ثم الانسحاب العشوائي منها لتكون شرارة لاندلاع الثورة.
روى الجنود الفارون او المنسحبون من ارض المعركة لاسرهم ما شاهدوا من اهوال ، سارعت النساء الى اخفاء ابنائهن وازواجهن العائدين من القتال ، توارى العائدون في البيوت والاقبية خشية الوشاية بهم ، فأصبحت النساء في الحي الواحد يكذبن على بعضهن .

الخامس من آذار ، تواترت الاخبار من النجف تشير الى ان جماهيرها سيطرت على المدينة سيطرة تامه ، المحافظات تتساقط ، لكن بالنسبة الى كربلاء فإن استنفار قوات النظام فيها لم يكن جديا، كأن الاجهزة الحكومية تتوقع سقوطها دون مقاومة ، الدبابات والدوريات الراجله قليلة وانتشارها غير منتظم يحمي مناطق لا فائدة ترجى من حمايتها .
الثلاثاء ، الخامس من آذار ، الساعة الثانية ظهرا ، يصف المؤلف بدايات الثورة في كربلاء حين شاهد من على سطح منزله دائرة الزراعة والري ذات الادوار الاربعة تحترق ، مجموعات اخرى من الثوار تتجه الى دوائر حكومية وعسكرية اخرى اكثر اهمية كادارتي النجده والمرور والوحدة العسكرية الطبية وآليات الشرطه ، ودوائر اخرى تتابع سقوطها في اليوم التالي ، المخابرات والمنظمات الحزبيه والاستخبارات ومقار البعث . ولاول مرة منذ 1979 تخرج مظاهرات تطالب باسقاط النظام تضم شبابا وشيوخا واطفالا . في البداية كانت الجموع تحمل اسلحة بدائية كالسيوف والخناجر والعصي ، كان لا بد من البحث عن اسلحة اكثر تقدما .
استولى الثوار على الروضتين العباسيه والحسينية في مركز المدينة ، واستخدموا السماعات الكهربائيه الموجودة على المنائر الاربعة لنقل اوامر القيادة الى سائر القيادات الفرعيه وانطلقت البيانات تترنم بالحرية وتكافؤ الفرص والرفاه الاجتماعي . الفارون البعثيون اصبحوا بالمئات اخفتهم بيوت اقاربهم ينتقلون خفية من بيت الى بيت وهدف الجميع كان الوصول الى فرق الحرس الجمهوري في منطقة بحيرة الرزازه في الغرب ،وبساتين الوند على طريق بغداد في الشمال واصبحت الروضة العباسيه ملجأ لافواج المستسلمين وكذلك المقبوض عليهم ، واستمر البحث عن رموز الدوله امثال المحافظ غازي الديراوي الذي عاث فسادا في كربلاء حسب ما ذكر المؤلف .
يروي المؤلف قصصا عن الاهالي الذين تجمعوا في الروضة لمشاهدة الاسرى من البعثيين ورجال السلطه ويروي قصة صرخات الناس تطالب باخراج اسماء معينة من الزنزانات ليقتصوا منها . يحكي قصة ام صادق التي حضرت الى الروضة وبيدها ( يد هاون ) وباليد الاخرى سكين ، مرددة اسما واحدا ، ابو خوله، وازاء اصرارها تعالت اصوات الحشود بالمطالبة باخراج ابي خوله من زنزانته . كان الرجل ( واسمه عبد الستار الجنابي) مسؤولا عن قاطع الجيش الشعبي لمحافظة كربلاء بصفته عضو شعبه، وعندما وصل الى الكويت بعد احتلالها نهب بيوت منطقة الصليبيخات ، وبمشاركة زوجته ، كسر ابواب المنازل وحمل محتوياتها بالشاحنات ، وفي احد الايام ذهب في مهمة تفتيشيه في مقهى قريب بالصليخبيات وبعد مغادرته بقليل انفجرت سيارتان مفخختان امام المقهى قتل على اثره خمسين جنديا عراقيا ، نجا ابو خوله باعجوبه لتكون نهايته فيما بعد على يد ام صادق ، ولكن ما قصته معها؟ باختصار، صادق ولدها الوحيد عاد في العام 1981 من جبهة الحرب العراقية الايرانيه ، ومنعته من العودة اليها ثانية برغم معرفتها ان عقوبة الفرار من الجبهة هي الاعدام ، بمساعدة بناتها حفرت خندقا اسفل منزلها واخفت ابنها صادق فيه لمدة سبع سنوات وقبل انتهاء الحرب باربعة اشهر وشى به احد الجيران ، واحيل الى لجنة الاعدامات، وعذب قبلها تعذيبا وحشيا على يد ابو خوله ، ثم اطلق عليه رصاصة الرحمة واخذ ثمنها من امه . فكانت نهاية ابو خوله على يد ام صادق ، ضربة بيد الهاون وطعنة بالسكين في صدره ، ثم تكفلت الجموع الغاضبة بالباقي .
العديد من قصص الجنود والضباط العائدين الى كربلاء للاطمئنان عن اسرهم يرويها المؤلف ، جنود اخذوا اسرى في غرف الروضة العباسيه ، وعندما قررت قيادة الانتفاضة الحاقهم بالثورة تحايل البعض ليعود ويختبىء في بيته لحين القضاء على الانتفاضة .
حكاية ابن ام صادق مع لجنة الاعدامات برئاسة ابو خوله ، لم تكن اشد ايلاما من حكاية الجندي هلال تامر اللامي مع الثوار ، اللامي الذي دخل الكويت ايضا مع وحدته كجندي مغاوير ، كان يتفاخر دوما امام زملائه بان قرشا حراما لم يدخل جيبه طوال مكوثه في الكويت لانه عاهد ربه ان لا يدخل بطون اطفاله السحت الحرام ، كان يتابع من بعيد ما يجري في مدينته كربلاء وقرر الذهاب الى هناك للاطمئنان على اطفاله ، راي ان المعركة مستعرة عند قضاء المسيب بين الجيش والثوار عاد الى معسكره في جرف الصخر وكرر المحاوله بعد ساعتين ، ثم وفي اليوم التالي وبرفقة احد زملائه وصلا الى غرب قرية الوند واستمرا يمشيان حتى وصلا الى مرقد الحر بن يزيد واصبحا على مقربة من الاحياء السكنيه، حين لاحت لهما مصفحات يقودها مدنيون ، فلاح في السبعين من عمره كان يراقب المنظر من نافذة بيته ، اصبحت المصفحة قربهما ترجل منها شاب ثلاثيني يرتدي دشداشه ويربط رأسه بقماش اخضر فوقه كلمة ( يا حسين) . قال الثائر للجنديين : يا اولاد الكلب، ترتديان ملابس الجبناء ، انزعاها حالا.
حاول اللامي ان يشرح للثائر انه وزميله بسطاء مثلهم ، فرد عليه الثائر ردا قبيحا وصفعه وبصق عليه ،عندها انحنى اللامى واخرج حربة كانت مشدودة الى رجله وغرزها في بطن الثائر فسقط ميتا ، قبض طاقم المصفحه على هلال اللامي وزميله ، قطعوا يد اللامي وطعنوه بحربته نفسها في بطنه ووجهه ، ركبوا مصفحتهم وساروا عليه مرتين ، اما زميله فقد نزع ملابسه العسكريه وهو يرجوهم الابقاء على حياته كان يبكي ويرتجف ويتوسل الا ان احد الثوار طعنه في ساقه وتركوه نازفا ومضوا ، في تلك الاثناء شاهد العجوز يتطلع اليه من نافذته ، اومىء بيده باشارة استغاثه ثم زحف باتجاه منزل العجوز الذي اغلق النافذة دونه ، طرق الباب مرات ومرات ، صرخ به العجوز ( اتريد هلاكنا ) اخذ الجندي يصرخ ( يا مسلمين انا لا اريد شيئا زميلي المقتول لا اعرفه ، يسكن الحي العسكري) ، عندما فتح العجوز نافذته بعد ساعه لم يجد الجندي الجريح رحل تاركا وراءه خطا من الدم .
انتشرت رائحة جثة اللامي في المنطقه وبقي العجوز طوال ثلاثة ايام يراقب من النافذه الكلاب المسعورة تنهش جثة اللامي ، وبعد مضي الايام الثلاثه زالت الرائحه ومعها زال اللامي من الوجود .
في المقال القادم سنتعرف على يوميات ( الثوره) . وكيف قضى عليها الحرس الجمهوري ، وما هي ابرز اخطاء قيادة الثوره.

نيسان ـ نشر في 2017-04-17 الساعة 12:04

الكلمات الأكثر بحثاً