اتصل بنا
 

هل يكمل ترامب ولايته؟

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-01-24

نيسان ـ

يختم دونالد ترامب خطابه، في حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، بالتلويح بقبضتي يديْه أمام الجموع قدّامه، كما كان معمر القذافي يفعل، أمام باب العزيزية مثلاً. وهذه ليست المشابهة الوحيدة بين الرجليْن، فثمّة الأهم، وهو أنك كنت لا تعرف موقع السياسة في الذي كان يفعله العقيد الليبي، ويجعل توقّعك ما سيقدم عليه، في هذا الشأن أو ذاك، أقرب إلى التسلّي مع الأحاجي. أما ما جهر به الملياردير الأميركي، قبل أدائه اليمين وبعده، فلا ينتسب إلى السياسة، هو أقربُ إلى خطابات التعبئة والتجييش في الملمّات، وقبيْل حروب الشعوب وبعيْدها. وإذ استهلك المشتغلون بالتحليل السياسي، في أميركا وخارجها، وقتاً كثيراً في قراءة النّتف التي بدرت من الرجل في مسألةٍ هنا وهناك، في أثناء محاولاتهم تبيّن ما ستمضي فيه إدارته من خياراتٍ سياسية، فإنهم زاولوا ضرباً في الرّمل، ليس لقصورٍ في أدواتهم، وليس لأن الرئيس العتيد بلا خبرة سابقة، ولم يتولّ موقعاً تنفيذياً، وإنما لأنه يعد مواطنيه بأميركا جديدة، لم يعهدوها من قبل، فهي لم تعرف أي انتخاباتٍ قبل أن يُقتَرع له، ما يجعله يعيد السلطة في البلاد إلى الشعب. وستكون حدودها الفالتة المستباحة أمام الأغراب محل حمايته. ولن تُشغل أميركا هذه نفسها بالعالم، إلا بالمقدار الذي يخصّ مصالحها وأمنها. وكلامٌ مثل هذا، وغيره كثير، لا يسعفك، مهما تأتّت لك من مقادير البراعة في حديث السياسة، أن تعرف على أي جنبٍ ستميل 'السياسة' لدى ترامب وجماعته.
تسأل تعليقاتٌ، في غير صحيفة أميركية، عمّا إذا كان صاحبنا هذا سيكمل سنواته الأربع رئيساً. وتبني 'ظنونها' هذه على مؤشراتٍ تتوالى، يتعلق بعضها بالخدش الطفيف الحادث في شرعيته، أي بأصوات الجمهور التي حازها، وقلّت عما نالته منافسته هيلاري كلينتون. ويتصل بعضٌ آخر بدسّ روسيا أنفها في إسناده، في مسلكٍ ذي خطورة، أضرّ هيلاري. وإلى الأمرين وغيرهما، ثمّة هذا الحنق المهول الذي يكتّل ملايين الأميركيين ضد ما يمثّله، وضد قلة حيائه بشأن النساء مثلاً، فيتظاهرون محتجين عليه، في مسيراتٍ تنظّمها تشكيلات مدنيةٌ ونخبٌ متنوعة، ويشارك فيها نجومٌ لامعون، في الفنون والسياسة، وهذا جون كيري، ينخرط فيها بحماسٍ (ومعه كلبُه)، وهو الذي قال في منتدى دافوس، قبل أيام، إنه لا يتوقع صمود إدارة ترامب غير عامٍ أو عامين، وقوبل حدسُه بتصفيقٍ وترحيب.
السؤال جدّيّ: هل يستمر دونالد جون ترامب أربع سنوات رئيساً لأميركا؟ من الصعب قطع الأمر. ولكن، فعلتْها المؤسسة الأميركية، وأجهزتها، وأزاحت ريتشارد نيكسون، في واقعة 'ووترغيت' التي ذكّرتنا بها القصّة الشبيهة بها إلى حدّ ما، في الاستهداف الروسي، المحسوم إلى حد كبير، ضد الديمقراطية هيلاري كلينتون في عضون معركتها الصعبة مع الديمقراطي السابق، والجمهوري المستجدّ، دونالد ترامب. وكادت المؤسسة الأميركية، ومعها تحقيقات كينيث ستار، تطيح بيل كلينتون، في زوبعة مونيكا لوينسكي. أما زوابع حامي حدود أميركا، ومخلّصها من الانهيار، ومنقذ بضائع مصانعها من الكساد، فلن تكون قليلةً، وهو الذي يدشّن عهده بإعلان 'حربٍ مفتوحة' مع الصجفيين، وقد نعتهم صاحب السوابق في التهرّب من الضرائب بأنهم الأقل نزاهةً في العالم. وأين، في مقر الاستخبارات (!). الأمر الذي يستحي من اقترافه رئيس بلديةٍ في غامبيا يحيى جامي.
ولكن، لماذا كل هذا الانشغال بشخص الرئيس، فيما أميركا دولة المؤسسات في العالم؟ ليس في وسع ترامب، مهما غالى في مزاولة صلاحياته (الوفيرة طبعاً)، أن يفعل ما يعنّ له، ويأتي إلى خواطره، فثمّة جمهوريون في الكونغرس لا يستمزجونه، وثمّة عتاةٌ في السياسة والإدارة والتخطيط في بيروقراطيات الدولة وقطاعاتها ومرافقها. هذا صحيحٌ، غير أن رجل الأعمال الوافد إلى الرئاسة من خارج المؤسّسية الأميركية ما نجح إلا لأنه كذلك، وقد لملم فريقه ممن يماثلونه، ومن بضعة جنرالات مهجوسين بقولة أميركا القوية أولاً. ولكن، هل في وسع شخصٍ في حالة دفاعية دائمة عن ذاته، في 'تويتر' وفي المؤتمرات الصحافية، أن ينضج، كما نصحه جو بايدن، حتى تنقاد له الرئاسة بسلاسةٍ ووداعة؟ ليس هذا مؤكداً، ولا تُبدي أماراتٌ وعلائم غير قليلة أنه في سبيله إلى التخفّف من ثقته بنفسه المبالغ بها، ومن سمْته الفظ، وهذا من بعض ما ييسر أرطالاً من الوجاهة للسؤال: هل يكمل ترامب ولايته؟

نيسان ـ نشر في 2017-01-24

الكلمات الأكثر بحثاً