اتصل بنا
 

زوبعة يوسف عبدلكي

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-01-23

نيسان ـ

لا يستجدّ أي شأنٍ في الموضوعة السورية الراهنة، كبيراً أم ضئيلاً، من دون أن يصير مثار سجال وخلاف واختلاف، وبحدّة أحياناً، أو غالباً ربما. لا مطرح للاتفاق والتوافق، وكأنه لا يجوز شيء منهما. لذلك، لا بد أن وراء الأكمة ما وراءها في إقامة التشكيلي السوري، يوسف عبدلكي، معرضاً لجديد أعماله في دمشق (افتتح يوم 17 ديسمبر، وكان مقرّرا انتهاؤه في 15 يناير الجاري، وتم تمديده إلى 26 يناير). يعصى الحدث على المرور بعاديةٍ، ولمّا كان العُري (للنساء) موضوع لوحات المعرض، فهذا يضيفُ إلى المسألة أسباباً أخرى للريبة والقيل والقال، وللأخذ والرد، وإنْ يبقى، في كل الأحوال، كل التقدير للمكانة الإبداعية الخاصة لعبدلكي، ولسيرته معارضاً للنظام، غير أن هذا كله قد لا يشفع له، ولا سيما وأن افتتاح المعرض تصادف مع مقتلة حلب، على ما قرأنا. ولا يسع المتابع للجدالات التي شاعت، في غير منبر إعلامي، وفي ساحات الوغى في 'فيسبوك' وغيره، إلا أن يستهجن ما اشتمل عليه بعضُ هذه الجدالات من إحالاتٍ إلى اشتباهٍ بالفنان الكبير، وإلى افتراض أن أجهزة السلطة في الشام ستُقدم على استثمار انتظام معرضٍ تشكيلي في المزّة، لفنانٍ يعرفه الجمهور معارضاً، وينشغل هذه المرة بعري النساء.

بعيداً عن التجريح السخيف لشخص عبدلكي، وعن المزايدات البائسة بشأنه، وعن تطاول أصابه، وهذا كله لم يكن الغالب في الذي كتب وقيل، بعيداً عن هذا كله، صحّت تلك الفرضيات عن ذلك الاستثمار وتلك الريبة، أم لم تصح، حقّ للفنان أن يوضح ما يكن معروفاً بدرجة كافية، وكان مهماً أن يبادر إلى جلائه، كما فعل في مقالة نشرها أخيراً أعطاها عنواناً لا يخفى فيه الإيحاء الغاضب 'وما بدّلوا تبديلاً'. وكان متوقعاً منه أن لا يجنح إلى إسهابٍ لا مدعاة له في ذمّ معارضين سوريين، شملهم بما فيهم وما ليس فيهم، غير أنه انصرف إلى تصنيف المعارضين إلى من أخذوا الثورة إلى العسكرة، وعملوا من أجل استقدام تدخل عسكري خارجي، ومن أقاموا على مدنيّتها وطورها السلمي الأول. ويعرف الداني والقاصي أن تقسيماً مثل هذا لم يعد التوصيف الدقيق للذي يجري وجرى، ولا نحسب أن له صلةً بأي نقاشٍ بشأن ما يمكن أن يتأتّى لمصلحة أجهزة الأسد ونظامه، دعائياً وإعلامياً وسياسياً، في إقامة معرضٍ تشكيلي، ليوسف عبدلكي تحديداً.
جاء مهماً ما أبانه الفنان أن لا رعاية رسمية تمّت للمعرض الذي لم يكن للبيع أبداً، ولم يزره أي شخص حكومي، ولم تُنجز له أي تغطية في أي فضائية سورية. ولكن، ومن باب لزوم الجدال (والمناكفة ربما)، يجوز السؤال عمّا كان يمنع بشار الأسد من زيارة المعرض (لو كنت مطرحه لفعلتُها!). ومن بابٍ آخر، لم تكن ملحةً، ولا ضروريةً، مقاديرُ الانفعال الظاهرة لدى عبدلكي، والذي يلزم التأكيد الدائم على احترام شخصه وتقدير تجربته، في ردّه الذي لم يعتبره رداً، وتبدّى فيه تعريضٌ بمن شاركوا في هذا السجال (يستحقه بعضهم)، عندما تظاهر بأنه يتعاطف معهم. كان الأهم رأيُه أنه لم تعد في سورية ثورة منذ العام 2012، وأنّه يجدّد التذكير بانتسابه إلى هيئة التنسيق الوطنية. وقد بدا يوسف عبدلكي، في بعض إيضاحاته هذه، حريصاً على تظهير موقفه السياسي تجاه كل الجاري سورياً. ومن موقعه فناناً معنياً بالجمال، مدفوعاً باستنكار الحروب والعسكرة، مشدّداً، في الوقت نفسه، على توصيف النظام عنيفاً وشرساً، وكاشفاً ما أخذه، في أثناء تأمله في حال بلده، إلى موضوعة العُري، في لوحاتٍ تحافظ على تلك القتامة الفحمية والسوداء المعهودة في أعماله.
أياً كانت وجوه المسألة في تقليبها، تبقى 'زوبعة' يوسف عبدلكي دليلاً جديداً يؤكّد أن المسألة السورية عويصةٌ جداً، وحمّالة أوجه، فلو لم يتزامن عرض لوحات العُري في المزّة مع مجزرة شرقي حلب، ومع تنظيم السلطة مهرجان سينما في غربي حلب، ومعرض أزياء في اللاذقية، وغيرها من أنشطةٍ ذات نزوعٍ ظاهر لإنكار المذبحة المتواصلة في البلد، لربما أمكن أن تتخفّف المؤاخذات التي ساقها كتاب ومثقفون محبّون لعبدلكي وفنه ونضاله من بعض التزيّد. أما وأن المعرض نفسه سينتظم في باريس قريباً، كما طالعنا، هل سيستجدّ سجالٌ من نوع آخر، محض فني مثلاً؟

نيسان ـ نشر في 2017-01-23

الكلمات الأكثر بحثاً