اتصل بنا
 

حين يتكلم المعنِّفون

نيسان ـ نشر في 2016-12-06 الساعة 20:31

دراسة تكشف شهادات رجال يتحدثون عن العنف الأسري وأسبابه
نيسان ـ

في دراسة بعنوان 'العنف الأسري: رجال يتكلمون'، أعدّتها الباحثة عزّة شرارة - بيضون، ونشرتها بالتعاون مع منظمة أبعاد ــ مركز الموارد للمساواة بين الجنسين، نقرأ شهاداتٍ لرجالٍ مارسوا العنف بحق زوجاتهم، وقبلوا أن يتكلّموا في الأمر، وأن يجيبوا عن سؤالٍ يتعلّق بأسباب تعنيفهم زوجاتهم. وفي صيغة هذا السؤال بالذات، 'ماذا يقول الرجال، إذا سئلوا عن سبب تعنيفهم زوجاتهم؟'، تكمن برأينا كلُّ الجِدّة التي يتميّز بها هذا البحث، إذ قلّما تمّ الالتفات سابقاً إلى الطرف الآخر، المعنٍّف، بطريقةٍ محايدةٍ وموضوعية، وبمنأى عن الرسم السلبي الذي، وإن كان مصيباً في سلبيته، بالمقارنة مع رسم الزوجة - الضحية، لا يأتي بجديد، ولا يخبرنا عن أحوال مجتمعنا، وما آلت إليه علاقاتُ رجاله بنسائه، وعن أسباب استمرار ظاهرة العنف بحق المرأة، على الرغم من فرضية تقدّم أحواله.
العيّنة التي تناولتها الدراسة مؤلفة من 11 رجلا موزّعين على فئتين، تسعة منهم متّهمون بالتعنيف أمام القضاء، واثنان يسعيان إلى الحصول على مساعدةٍ نفسيةٍ، تعينهما على تغيير سلوكهما العنيف حيال زوجتيهما. أما الملفت في روايات هؤلاء فهو، ولا ريب، إجماعُهم على أنهم ضدّ ضرب النساء، وشجبُهم تعنيفَ الرجل زوجته، في كل أشكاله، جسدياً كان أم معنوياً. لكن، حين يتعلّق الأمر بوضع كلٍّ منهم، يختلف الأمرُ كلية، فإما أنهم يُنكرون تعنيفَهم زوجاتهم، أو أنهم يرون أن 'كل الرجال يضربون' نساءهم، أو أنهم حتى لا يوافقون على اعتبار سلوكهم تجاه المرأة عنفاً، إذ هو مثلا لا يعدو أن يكون 'مجرّد صفعة'. هكذا يظهر العنف وكأنه آليةٌ لا إرادية لدى المعنِّف، خارجة عن سيطرته ومستقلة عنه، بحيث يبدو هو أيضاً ضحيته، ربما بقدر ما هي الزوجة التي يستهدفها، والتي غالباً ما تكون في رأي الأزواج، هي المستدعية له، بسبب تصرفاتها المستفزّة.
أجل، هكذا يبرّر الرجال الذي شملتهم الدراسة عنفهم، بالتعبير عن 'عذاباتٍ' يعانون منها بسبب سلوك زوجاتٍ يحمّلونهنّ كلَّ مسؤولية تصرفاتهم العنيفة، فلو أنها امتثلت لما يطلبه منها، لما كان ضربها، ولو أنها تقوم بواجباتها زوجةً وأماً، لما كان عنّفها، ولو... من هذا المنطلق، ولدى التبحّر في 'تبريرات' العنف الممارَس على نسائهم، تُظهر الدراسة أنهم جميعا يعانون من شعورٍ عميق بالإحباط وبالخيبة حيال زوجاتهم، فإما أنه قد تزوّج امرأةً تحوّلت إلى 'أخرى'، أو أنه تزوّج وهماً أو صورةً لا تمتّ الزوجةُ الحقيقية إليها بصلة. وفي جميع الحالات، تنتج الخيبةُ، استناداً إلى الباحثة، عن رؤية الرجال لأدوار جندرية معيّنة، ينبغي للمرأة أن تؤدّيها. فالزوجة، بحسب تعبيراتهم، 'ليست امرأة'، لأسباب تتراوح بين أنها 'باردة جنسياً'، أو 'ربّة منزل مهملة'، أو 'أمّ غير صالحة'. وفي أحيان أخرى، قد تكون هي 'الرجل في المنزل'، بحسب تعبير أحدهم، وفي هذا إشارة إلى تعدّيها على رجولته وسلطته التي تخوّله، من دون سواه، حقّ اتخاذ القرارات. لذا، يضطر الزوج إلى تأديب الزوجة لإعادة الأمور إلى نصابها.
ومما تخلص إليه الدراسة التي تؤكّد أن العنف ليس محصوراً بالأشخاص الأقل تعليماً، أو بالطائفة المسلمة أو بالمناطق النائية: 'خلّف تعنيف الأزواج زوجاتهم أزمة في هوياتهم الجندرية'. وعليه، فإن من أسباب أزمة تلك الهويات ما يتمثّل 'لا بقصورهم في استيعاب الواقع الفعلي لزوجاتهم فحسب، بل إن التصوّرات والاتجاهات التي يحملونها في أذهانهم لا تتلاءم مع واقع المرأة الراهن. هم غافلون عن واقعة تغيّر أحوال النساء. إذ بدا لنا أنهم غير مدركين أن هؤلاء أصبحن يملكن الموارد المادية (ذوات المهنة منهن، خصوصاً)، وما عاد ينقصهن الدعم العاطفي والمادّي من ذويهن'... ومعناه، وفق بيضون، أن فئتي النساء والرجال تعيشان في زمنَين مختلفَين: فالأولى تحيا في العصر الراهن، وتفيد من امتيازاته التي أحدثت تغيّراً في أحوالها؛ فيما الرجال المعنّفون متشبثون بـ'زمنٍ جميل' كانوا فيه، كونهم ذكوراً، قوّامين على النساء. 6/12/5/%%88

نيسان ـ نشر في 2016-12-06 الساعة 20:31


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً