اتصل بنا
 

في مرتبتي قايين وهابيل

نيسان ـ نشر في 2016-11-15 الساعة 18:40

قصة قايين وهابيل في العهد القديم ودور هابيل كضحية ودور ثانوي في حين يتبدى قايين كبطل الفعلي الذي ينعم بالمسامحة والغفران.
نيسان ـ تروي الحكاية، في العهد القديم، أنه كان لآدم ابنان يدعيان قايين وهابيل، فكان الأول عاملاً في الحقل، والثاني راعياً للغنم. ولمّا كان آدم وحواء قد علّما ابنيهما أن يرضيا الربّ من خلال تقدمة القرابين، قدّم قايين قربانه من ثمار الأرض، وقدّم هابيل قربانه من أبكار غنمه. فنظر الربّ إلى هابيل وقربانه، ولم ينظر إلى قايين وقربانه... فاغتاظ قايين جداً، وسقط وجهه. فقال له الرب: لماذا اغتظت؟ ولماذا سقط وجهك؟ هل تعتقد أني سوف أتركك إذا أحسنت لي في المرة القادمة؟ وإن لم تحسن، فالخطيئة أو الشيطان مستعد دائماً لك، وهي واقفةٌ على الباب، ويكون لك اشتياقها. وإذ كان الأخوان في الحقل، قتل قايين أخاه، وحين سأله الرب عنه، كذب قائلاً: لا أعلم، أحارس أنا لأخي؟ فقال له الرب: صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض، ملعونٌ أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يديك، ومتى عملت الأرض لا تعود تعطيك من قوتها، وتائهاً وهارباً تكون في الأرض". وإذ أدرك قايين فعلته، وأحسّ بذنبه، أراد أن يتوب، فقال للرب: ذنبى أعظم من أن يحتمل.. لقد جعلتنى تائهاً في الأرض، فيكون كل من وجدني يقتلني. فقبل الرب توبته، وقال: كل من قتل قايين فسبعة أضعافٍ يُنتقم منه، وجُعل له علامة، لكي لا يقتله كل من وجده. فخرج قايين من لدن الرب، وسكن في نود شرقي عدن. كنتُ، كلما قرأت، أو سمعت، هذه القصة، لا يشغلني فيها إلا هابيل الذي، بارّاً وتقياً وقانعاً ومحبّاً، لقي حتفه على يد أخيه، فلم يُحطه الربُّ بعنايته، ولا حماه من القتل، بل هو في النهاية حتى قد غفر لقاتله بسهولةٍ مخيفةٍ، ودونما حساب أو اقتصاص. هكذا تنتهي حكاية هابيل الضحية، ببساطة، بعبورٍ شبه مجّاني ودور ثانوي، في حين يتبدّى قايين مضطلعاً بدور البطل الفعلي، أي ذاك الذي يكفي أن يندم على فعلته (وهو في الواقع يبدو خائفاً من اللعنة التي رماه الرب بها، أكثر منه نادماً)، لكي ينعم بالمسامحة والغفران. هابيل هو ضحية الجريمة الإنسانية الأولى في تاريخ البشرية، هابيل الذي نظر الربّ إلى قربانه، ولم ينظر إليه قتيلاً، مغدوراً، بريئاً، عائماً في دمائه. أما قايين القاتل، الحاسد، الكاذب، الكاره والغاضب، فقد كان يكفي أن يشعر بالذنب، أو أن يخاف، لكي ينظر الربّ إليه، فيحظى بالمغفرة، فيضع عليه علامةً تحميه من القتل، وإلا فإنه منتقمٌ من قاتله سبعة أضعاف. أما في الرواية الإسلامية، فيسمّى هابيل وقايين ابنيْ آدم. وإذ تروى حادثة القتل نفسها، يُضاف أن قايين ترك جثة أخيه مرميةً في العراء، معرّضة للهوام والوحوش. فكان أن بعث الله غراباً صنع في الأرض حفرةً. فلما رآه قايين لام نفسه، وندم ندماً كبيراً، إذ كيف يكون الغراب أهدى منه سبيلا: يا وَيْلَتَى، أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ، فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي. حينها قام يكمل عمل الغراب، ويدفن أخاه تحت التراب. هنا أيضاً يكفي أن يواري قايين أخاه الثرى، حتى يبدو وكأنه قد شرى بذلك إفلاته من العقاب. ومن خلال جريمة قتل قايين أخاه هابيل، حسداً وغيرةً، تذكّرنا الروايتان أن العنف الأقصى وقتل الأخ أخاه هما في أساس تكوين البشرية، وفي أساس بناء الحضارة الإنسانية التي سعت، أول ما سعت، إلى تنظيم هذا العنف الأوّلي المدمّر حتماً لكل المجتمعات. أخيراً، يروى عن ابن مسعود أنه قال عن لسان النبي: لا تُقتل نفسٌ ظلمًا، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سن القتل. ومعناه أن قايين لم يتب ألبتة عن فعلة قتله أخاه هابيل، وأنه وَلَدنا أجيالاً إثر أجيالٍ، تتغذّى على دماء إخوتها من الضحايا، قبل أن تواريهم التراب.

نيسان ـ نشر في 2016-11-15 الساعة 18:40


رأي: نجوى بركات

الكلمات الأكثر بحثاً