اتصل بنا
 

الجريمة

نيسان ـ نشر في 2016-09-25 الساعة 15:42

جرى لناهض حتر ودعوته للعصيان في وجه الظلام والجريمة النكراء.
نيسان ـ

أعرف ناهض حتَّر مذ كنا مراهقين تقريبا. جمعنا الشعر وحلم التغيير، ثم فرقتنا السياسة والمواقف المتناقضة، خصوصا من المأساة السورية. منذ بداية حرب النظام السوري على شعبه توقف الاتصال كلياً بيننا. حتى لمجرد التحية والسلام. فقد كان تشخيصه على الضفة الاخرى لما أفكر فيه وأعتقده وأكتبه. لم يكن هناك جسر لنعبر عليه. انزعجت عندما حملوا عليه هذه الحملة الظلامية. أشعر بندم الآن لأني لم اكتب عنه في حينها ولو من موقع الاختلاف التام. لم يحلوا دمه لأنه يقف الى جانب النظام السوري و"محور المقاومة"، ولا لأنه يشط بعيداً في تصوره للهوية الأردنية ويكاد يجعل لها تاريخاً من بنات أفكاره، بل لأنه نشر رسماً، ليس من صنعه، لتصوّر داعش للجنة، كما اعتقد. الدين لم يكن يوما قضية لناهض حتر، أيضا حسب ظني. اقصد لا سلبا ولا ايجابا. كان البعض يراه طائفياً.. ولكنه لم يكن دينياً. مشكلة ناهض الحقيقية حدَّته التي تلغي الارض المشتركة مع الآخر وتحوّله خصماً. هناك مئة قضية اختلف بها مع ناهض حتر ولكن ليس إلى حد أن يجندل أمام المحكمة بسبع رصاصات! هل هناك احتقار للحياة الانسانية والقانون كما هو عليه الحال في هذه الجريمة النكراء؟ ناهض كان صديقي.. وعندما كان صديقي كنت قد أهديته هذه القصيدة من ديوان الثاني "منذ جلعاد".. وها انا اعيد نشرها في وجه الرصاصات التي اخترقت جسده، ولن يكون بعيداً أن تخترق اجساد آخرين غامروا بالاقتراب من الارض التي يسيجها الظلام بالحراب.
ناهض كان شخصا دراميا ومات ميتة درامية. أنحّني الآن كلَّ شيء وأقول لك سلاماً يا صديقي:
أيها الاقليم أعلن العصيان
(إلى ناهض حتر)
أسئلة مقترحة:
ما الذي ينبغي قولَه
أيها الفتى البدويُّ:
للأرضِ التي نعرفُ فطرها قُبَّيلَ الرعدِ
ونعرفُ كبواتِ خيولها
ورائحةَ قراها الجافَّةِ في العشيّات،
للمدينة المتكئةِ على أضلاعنا السبعةِ،
وللأصدقاء وهم يصفطون
مناشفَ الوجهِ
ماكناتِ الحلاقةِ
خُصلاتِ الشَّعرِ المعطَّرة
في حقائب السّفر.
وما الذي ينبغي قولَه، أيضا،
يا ناهض حتر
للأشجار، عندما مسرعةً تمرُّ
في الصوّرِ الملتقطةِ من الريف
لزوجة النقابي
وهي تسألُ عن فداحةِ الإضرابِ
لعشائرَ النعيماتِ
والزريقاتِ
والنوايسة
والبطانية
وبني حسن
و....
و....
أليستْ عشائرُنا
تلك الطالعةُ من البحر الميت؟
أو ليست أغصانُنا،
تلك المتهدلةُ على جثة الرمل؟
اختيار:
ما تبقى لنا هذا الخَصاصُ، الضيّقُ،
أم تلك الشاهدة؟
أيهما نختار؟
إن مائةَ ألفَ بندقيةٍ مصوّبة نحو الجبل
مائةَ ألفِ كتفٍ
مائةَ ألفِ زناد.
تثاءب ملكُ الحكايةِ السعيدُ
ونطق كلمةً مبْتلةً بلعاب الشهوة،
كلمةً واحدةً ثم
دوَّت الطلقات.
فتصاعدَ الدخانُ
من رأسِ جلعاد .
ولم يهوِ الجبل.
أيها الاقليم:
ليقترب بعضنُا من بعضٍ
فرائحةُ الانسان ـ حتى الجثّةِ ـ
أكثرُ إنعاشاً من رُخامِ الشاهدِة
هذه يدي طرقاتٌ لعبور الخيل المنتسبة إلى السليك ابن السلكة
وهي لا تزال محتشدةً للمصافحةِ
وهذه يدي الأخرى
معبرٌ لشفراتِ العصرِ
والظلال الطامحةِ إلى الرؤيا،
ولما تزل متوهجةً كالجمرةِ
في البرّ الوحيدِ.
ليقترب بعضُنا من بعضٍ
قبلَ اشتدادِ سوافي الفوسفاتِ
على أرضنا الخفيضةِ،
قبل امّحاءِ آثار الإبل
ذات السنامِ الواحد.
لنقترب بعضُنا من بعضٍ
ولنفكر بابتهالاتِ
المطر
الأرضِ المستصلحةِ
المحاريثِ
الزرائبِ
اتحادِ الفلاحينَ،
قناةِ الغورِ الشرقيةِ،
السمادِ الكيماويّ،
وقبل أن نُخرجَ غَدّاراتنِا
ذواتِ الطلقةِ الواحدةِ
من حظائر الماشية،
علينا أن نفكِّر:
هل هبّتْ رياحُ الغورِ؟
إذن،
أيها الاقليمُ أعلنِ العصيان.
بيروت ـ كانون الثاني 198

نيسان ـ نشر في 2016-09-25 الساعة 15:42


رأي: أمجد ناصر

الكلمات الأكثر بحثاً