اتصل بنا
 

من المغرب إلى الجزائر

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-08-22 الساعة 11:45

القرار في الرباط والجزائر، والحاجة الملحة لتحسين العلاقات الثنائية وفتح نقاط العبور البرية بين البلدين.
نيسان ـ

تفادى ملك المغرب، محمد السادس، في خطاب ذكرى "ثورة الملك والشعب"، الإتيان، ولو تلميحاً، إلى التوتر الظاهر (والصامت) بين بلاده وجارتها الجنوبية المغاربية موريتانيا. وآثر لغةً شديدة الليونة مع الجزائر، الجارة الشرقية التي لا تعرف العلاقات معها غير التأزم المكتوم غالباً، والواضح أحياناً، والبيْن بيْن مرّات. وعلى غير خطاباتٍ غير قليلة، خصّ فيها الجزائر بانتقاداتٍ معلومة، رمى الملك، أول من أمس، بادرةً تجاه شعب الجزائر، من أجل أن يواصل مع شقيقه الشعب المغربي "العمل سوياً بصدقٍ وحسن نية، من أجل خدمة القضايا المغربية والعربية". ولعلها القناعةُ بأن لكل مقامٍ مقال جعلت محمد السادس يستذكر ذلك التنسيق والتضامن بين قيادات المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية، إبّان الكفاح من أجل الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. وليس في وسع المتابع للعلاقات الصعبة بين المغرب والجزائر إلا أن يغتبط لليد التي تمدّها الرباط تجاه جارتها الكبرى، والمأمول أن تردّ الأخيرة على تحيةٍ مثل هذه، من الملك لا من أحدٍ سواه، بأحسن منها، لعله يصير ممكناً تدشين اندفاعةٍ جديةٍ نحو تخليص هذه العلاقات مما يُبقيها على حالها المديد غير المرضي.

وإذ تأتي الأخبار، أخيراً، على بدء الجزائر تشييد جدارٍ على طول الحدود مع المغرب، كانت قد بدأت الحفر له قبل أربع سنوات، وإذ يقوم هذا الجدار موازياً لسياجٍ حديديٍّ على الحدود نفسها أقامته الرباط، فإن أبناء الشعبين الجارين يشتهون أن تُبادر سلطاتُ بلديهما، وهما تحتاطان من التهديدات الإرهابية، بالحائط والسياج، إلى أن تُفتح نقاط العبور والخروج البريّة بين البلدين، والمغلقة منذ 22 عاماً، الأمر الذي لا مثيل له بين أي بلدين عربيين جارين. وفي الوسع أن يقال إن تحرير هذا الملف من أي حساباتٍ ومواريث، ومن وطأة عدم الثقة الظاهرة بين صناع القرار في الرباط والجزائر، صار شديد الإلحاح، بالنظر إلى ما يحقّقه من نفع على غير مستوى، شعوري وثقافي واقتصادي. وقد دلّ ذهاب الملك محمد السادس إلى ماضٍ بعيد في صلة الشعبين الأخوين على عسرٍ راهنٍ في هذه العلاقات، ليس بين الشعبين أبداً، وإنما بين أهل الحكم والقرار والسلطة. ويعرف كلّ منهما في البلدين أن العقدة العويصة في كل المسألة تتصل بالثبات الجزائري على إسناد جبهة بوليساريو التي تتطلع إلى انفصال الصحراء المغربية عن التراب الوطني للمملكة، وهو ما يستحيل أن يتسامح المغاربة فيه، في عمومهم، شعبياً ورسمياً. ولمّا كانت الجزائر تعلم علم اليقين هذه الحقيقة المؤكّدة، فإنها مطالبةٌ بالتحرّر من تصلّبها المعلوم، والذي دلّت خبرة العقود الماضية، منذ سنوات بريجينيف في الاتحاد السوفييتي، وصولاً إلى استقبال بشار الأسد في دمشق وزيراً جزائرياً قبل شهور، أنّ لا طائل منه، ولا جدوى، وأن لا أحد في العالم يقبض الكلام الجزائري إن قضية الصحراء هي بين المغرب والأمم المتحدة على محمل الجد، ليس فقط لأن بيريث دي كويلار قال إن عقدة هذه القضية في عدم تفاهم الرباط والجزائر، بل أيضاً لأن البديهيات البيّنة تؤكّد لأي مبتدئٍ في معارف السياسة هذه الحقيقة.
حال العالم العربي بالغ الشذوذ والرداءة، وفي مغاربه كثيرٌ مما هو مقلقٌ ظاهر، ومما ينذر بالسيئ والأسوأ. ويمكن لجهدٍ شجاع، وجريء وطموح، أن يبني على حبل الوصال الذي أرخاه ملك المغرب باتجاه الجزائر، ما قد يؤسّس لحلّ خلاق، وفريد، لمشكل العلاقات غير السويّة بين البلدين الكبيرين، واللذين تؤكّد الصلات الأخوية بين شعبيهما أن الخلافات ليست عصيةً على الكسر، إذا ما مضت إرادةٌ سياسيةٌ، مسلحةٌ بقرارٍ جسور، باتجاه كسرها، وباتجاه خلع كل أقفال المكابرة والاستقواء والاستعراضية والرهانات الخائبة، ورمي سياسة التكاذب الباهتة، ثم تثمير المصارحة الجديّة في إقامة نهوضٍ مشتهى لعلاقات جوارٍ تأتي بما لا يُحصى من منافع ومصالح. تُرى، هل هذا إنشاءٌ عابر أم قولٌ واجبٌ في مناسبة الخطاب الملكي المغربي الجديد؟

نيسان ـ نشر في 2016-08-22 الساعة 11:45


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً