اتصل بنا
 

فوضى السلاح.. الخطر الأكبر

كاتب لبناني

نيسان ـ نشر في 2016-07-07

المقال يتحدث عن أهمية التماسك الشعبي والمؤسساتي في مواجهة فوضى السلاح، ويشير إلى أن الأردن نجح في تفادي هذه الفوضى في السبعينيات، بينما انهارت دول أخرى مثل العراق وسوريا واليمن وفلسطين بسببها. كما يشير المقال إلى أن فوضى السلاح في لبنان يمكن أن تؤدي إلى انهيار البلد، ويتحدث عن دور حزب الله في تعميم هذه الفوضى. ويشير المقال إلى أن رهان النظام السوري كان دائما على نشر فوضى السلاح في دول أخرى، وأن هذا الرهان انتهى بالفشل في سوريا.
نيسان ـ

ما وراء صمود الأردن وانهيار العراق وسوريا واليمن وفلسطين؟ يعود ذلك الى فوضى السلاح التي تفاداها الأردن في العام 1970، بفضل تماسك شعبه ومؤسساته المدنية والامنية في وجه المنظمات الفلسطينية المسلّحة التي كان يمكن ان تقضي على المملكة وان تقدّم لإسرائيل خدمة مجانية ما زالت تحلم بالحصول عليها في يوم من الايّام.

اذا انهار لبنان يوما، فإن ذلك سيكون بسبب فوضى السلاح التي يحاول «حزب الله«، الذي ليس سوى ذراع إيرانية، تعميمها في كل انحاء البلد وفي محيطه القريب والبعيد وذلك لتبرير تمسّكه بسلاحه غير الشرعي.

هذا السلاح الموجه في نهاية الامر الى صدور اللبنانيين والى مؤسسات الدولة اللبنانية العسكرية والمدنية والامنية، لا اكثر ولا اقلّ. سيطول الجدل في شأن ما حدث في بلدة القاع البقاعية، التي لحق باهلها ظلم ليس بعده ظلم، بسبب فوضى السلاح من جهة وسماح «حزب الله« لنفسه بإلغاء الحدود بين سوريا ولبنان من جهة أخرى. لكن اللبنانيين، جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، سيكتشفون يوما ان وجود سلاح غير شرعي خارج سيطرة الحكومة في أساس كلّ علّة. كلّ ما تبقى تفاصيل ونتائج جانبية لوجود هذا السلاح الذي يمنع، مثلا، انتخاب رئيس للجمهورية… او يسعى الى فرض رئيس للجمهورية يضمن القضاء على ما بقي من مؤسسات الدولة في ضوء ما يتمتّع به من خبرة في هذا المجال. وهي خبرة طويلة من دون ادنى شك.

ثمّة من يعتقد ان انهيار سوريا لا علاقة له بفوضى السلاح وان سوريا كانت تحت سيطرة نظام مركزي قوي يستند الى اقلية متماسكة، هي الاقلّية العلوية، استطاع ان يتحكّم بكل شاردة وواردة في البلد. كان يمكن لهذا الكلام ان يكون على علاقة بالواقع وبالحقيقة، لولا ان رهان النظام السوري كان دائما على نشر فوضى السلاح في لبنان، ثمّ في العراق، وحتّى في فلسطين.

في مرحلة معيّنة، ارتدّت فوضى السلاح عليه بعدما استثمر فيها طويلا. من يراهن على فوضى السلاح خارج أراضيه لا يمكن ان يتوقّع غير ما آل اليه الوضع في سوريا. فالنظام السوري لم يعمل منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي سوى على ارسال السلاح الى لبنان وذلك بغض النظر عن الجهة التي تحصل على هذا السلاح. كان مهمّا اغراق لبنان بالسلاح كي يجد النظام السوري وظيفة له في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وهي وظيفة السيطرة على المسلحين الفلسطينيين في لبنان بحجة ضبطهم، علما بأنّه لعب الدور الرئيس في الانتشار الفلسطيني المسلّح في البلد.

عمل النظام السوري في كلّ وقت على تجديد هذه الوظيفة وتطوير دوره القائم على الاستثمار في فوضى السلاح خارج الأراضي السورية وذلك بالتنسيق مع ايران… الى ان وقع ضحية تلك اللعبة التي خرجت من تحت سيطرته.

في سياق تطوير هذا الدور القائم على نشر فوضى السلاح، وبعد حصول الانسحاب الفلسطيني المسلّح من لبنان صيف العام 1982، صار رهان النظام السوري على الميليشيا المذهبية المسمّاة «حزب الله« كي يضمن انّه لن تقوم قيامة للدولة اللبنانية يوما.

تُستخدم فوضى السلاح وسيلة لتدمير دول المنطقة والسيطرة عليها. هذا ما نشهده في العراق ايضا حيث قضت الميليشيات التابعة للأحزاب المذهبية ذات المرجعية الايرانية على أي امل في بقاء العراق موحّدا. كيف يمكن المحافظة على الامن في بغداد وحماية المدينة من «داعش« وغير «داعش« ما دام في العاصمة العراقية وحدها نحو مئة تنظيم مسلّح خارج سيطرة الحكومة التي على رأسها حيدر العبادي؟

كان التفجير الأخير الذي تعرضت له منطقة الكرادة خير دليل على ان المطلوب بقاء العراق «ساحة« تسرح فيها الميليشيات وتمرح تحت شعار «الحرب على الإرهاب« التي يشنّها «الحشد الشعبي« على «داعش«. النتيجة ان «الحشد« و«داعش« وجهان لعملة واحدة ولا شيء آخر غير ذلك. يرتكب «الحشد« جرائم بحقّ اهل السنّة في مناطق معيّنة مثل الفلوجة، فيرد «داعش« بقتل أبرياء من كلّ الطوائف في الكرّادة داخل بغداد. لم يعد معروفا من يعمل عند الآخر. هل «داعش« يعمل عند «الحشد« ام «الحشد« يعمل عند «داعش«؟

المهمّ بالنسبة الى ايران ألا يقوم العراق وألا تكون هناك مؤسسات حكومية متماسكة. الهدف ان تنخر الميليشيات المذهبية بسلاحها غير الشرعي ما بقي من مظاهر الدولة. الهدف واضح كل الوضوح ويتمثل في تحويل العراق بشكل رسمي الى مستعمرة إيرانية.

من لبنان، الى العراق، الى اليمن، الى فلسطين حيث قضت فوضى السلاح في قطاع غزّة على ايّ امل في استعادة اللحمة بين الضفة والقطاع، تتوضح كل يوم خطورة هذه الظاهرة من جهة واهمّية صمود مؤسسات الدولة او ما بقي منها من جهة أخرى.

لا يزال لبنان يقاوم. تعود مقاومته الى طبيعة قسم من الشعب اللبناني تؤمن بالاستثمار في مستوى التعليم والتربية وما بقي من مؤسسات الدولة، خاصة تلك المرتبطة بوزارة الداخلية تحديدا.

الى متى تستمرّ هذه المقاومة اللبنانية بعدما اخذت ايران على عاتقها حماية فوضى السلاح وتوسيع انتشار هذه الظاهرة التي كانت الى ما قبل فترة قصيرة من اختصاص النظام السوري؟ لا جواب واضحا على مثل هذا النوع من الأسئلة التي تعكس بؤس منطقة بكاملها تعاني من مشروع توسّعي إيراني يستثمر في فوضى السلاح وفي اثارة الغرائز المذهبية في الوقت ذاته.

نيسان ـ نشر في 2016-07-07


رأي: خيرالله خيرالله كاتب لبناني

الكلمات الأكثر بحثاً