اتصل بنا
 

في يوم النكتة لعالمي

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-07-02 الساعة 13:59

النكتة العالمية تساعد في علاج الاكتئاب؟
نيسان ـ

واحدةٌ من بدع الأميركان أنهم جعلوا الأول من يوليو/ تموز يوماً عالمياً للنكتة. والتقليد أن الأمم المتحدة ومنظماتها هي التي "تخترع" الأيام العالمية، من قبيل أيام التواليت (25 أكتوبر/ تشرين الأول) والرقص (29 إبريل/ نيسان) والزهايمر (21 سبتمبر/ أيلول). ولكنْ، لا بأس. لم لا نصْدَع لما يقتضيه الاحتفاء بالنكتة، في يومها العالمي هذا في الجمعة هذه، فنتذكّر، نحن العرب، حاجة الإنسان، في حياته وعيشه العام، للنكتة. وعندما نقول النكتة، هنا، فليس المقصد هو الضحك بعمومه ولأيّ سبب، بل الضحك بسبب نكتةٍ فحسب، فقد تُضحكك أمورٌ أخرى، لا شاغل لهذه السطور بها، وإنما بالنكتة، الموحية والقصيرة والكاشفة حتى تضحكك. وكل إنسانٍ، على ما قال باحثون أميركيون، جزاهم الله خيراً، يحتاج خمس عشرة دقيقة من الضحك يومياً، تفيد أوعيته الدموية. كما أن دراسةً في جامعة ميريلاند نصحت بمشاهدة الأفلام الكوميدية، لأنها تعزّز تدفق الدم إلى القلب.
هذا عن الضحك، أما عن النكتة تحديداً، فإن مادة الأندروفين (Endorphin) في الجهاز العصبي للفرد تتفاعل ساعة سماعه النكتة، وهي، على ذمّة من قرأت له، مادةٌ في هرمون مسؤولٍ عن "اعتدال المزاج". ولا تزيّد، في الاجتهاد، هنا، بالقول إن مسألة المزاج هذه توجز القضية كلها، فليس في وسعك أن تنجز شيئاً، بشكل جيد وكما تريد، وأنت في مزاجٍ غير معتدل. وفي مستطاعِ غير مختصٍ، مثل صاحب هذه الكلمات، أن يُفتي، بكل أريحية، بأن شيوع الاكتئاب في بلادنا العربية الزاهرة من أسباب ضعف المنتوجيّة فيها، وقلة جودة ما نصنع وما نخطّط وما نعلّم وما نحكي (وما نكتب؟). وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت، سنةً، أن ثمّة نصف مليون حالة اكتئاب مسجلة في الأردن. ولا مجازفة في "التخمين"، هنا، أن عدد هؤلاء ازداد جيّداً، وكذا عدد غير المسجلة حالاتُ اكتئابهم. كما تزداد في لبنان نسبة استهلاك أدوية الأعصاب، وكذلك مبيع مضادّات الاكتئاب في المغرب، على ما تذكر تقارير مختصة، لا مدعاة لتنغيص البال بالإتيان، هنا، على إحصائياتها وخلاصاتها، ونحن في يوم النكتة العالمي الذي يُيسّر مناسبةً للسؤال: هل حال النكتة العربية الآن بخير؟ هل يزداد منتوجُها ويتحسّن؟
من دون تطويل كلامٍ كثير، ومن دون الاستئناس بدراساتٍ اجتماعيةٍ، غير ميسورة على أي حال، أرمي الجواب: لا، ليست النكتة العربية بخير، ومنتوجُها يتناقص ومستواها يتراجع. ولمّا كان المصريون من أكثر شعوب العالم إبداعاً في إنتاج النكات واستخدامها وتجديدها، فإن الملحوظ أن مستوى أدائهم الراهن، في هذا الخصوص، ليس كالمعهود عنهم. وقد كتب عارفون ومتابعون مصريون، يشرحون هذا الحال، إنّ انتعاشاً جزئياً، بل وذهبياً واستثنائياً بحسب أحدهم، شهدته النكتة المصرية في العام الذي كان فيه محمد مرسي رئيساً، ثم صار الشحُّ والجفافُ الماثلان. ولمّا كانت النكتة، السياسية خصوصاً، في واحدةٍ من أهم وظائفها، سلاحاً اجتماعياً ضد التسلط والاستبداد والاستقواء، ولمّا كانت أيضاً، في واحدةٍ من تعريفاتها، تعبيراً تنفيسياً عن مكبوتٍ سياسي أو اجتماعي، فالأدعى أن يكون المنتوج المصري منها أوفر مما نرى في أتون زمن عبد الفتاح السيسي، الرجل الذي يُضحكك قول أحدهم إنه رئيس قويّ وبلا أخطاء، حمى مصر وأنقذها، فلا مدعاة للتنكيت عليه وعلى نظامه وأجهزته (!).
وإذ هذا حال المصريين، فكيف، إذن، سيكون حال أشقائهم العرب في أوطانٍ تضيع ودول تهترئ ومجتمعات تتفكّك وحروب أهلية تنشط؟ أي مزاجٍ، يُمكنه أن يضجّ بالنكات المنوّعة، والخراب العربي صار يفوق أي خيالٍ، ويعصى تصوّره على أي قريحة، والنكتة أساساً فعلٌ جادّ، ولم تكن غير ذلك في أي يوم، عندما "تضرب" السلطة، وتتهكّم عليها، وعندما تحارب التجهّم والكآبة. وذاك فرويد، في مؤلفه غير الذائع "النكتة وعلاقتها باللاوعي"، يرى أن "اللاوعي هو المسؤول عن صنع النكتة، تماماً كما هو مسؤول عن صنع الحلم". وفي متاهة وعيٍ عربي عام، ثقيلة الحدّة في الراهن الذي نعيش، كيف في وسع "لاوعي" عربي أن يستقيم حاله، فينجز نكاتٍ تسعفنا، ما أمكن، في التسرية عن أرواحنا المنتهكة؟

نيسان ـ نشر في 2016-07-02 الساعة 13:59


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً