اتصل بنا
 

الإسلام في أفريقيا (2) .. فتح أفريقية وبناء القيروان

مؤرخ وكاتب سوري مقيم في تركيا

نيسان ـ نشر في 2015-10-22 الساعة 13:06

نيسان ـ

لقد بدأ التفكير بفتح إفريقية بعد أن فتح الله على المسلمين مصر، فقد قاد عمرو بن العاص رضي الله عنه أول طليعة من الفرسان سنة (22هـ/642م)، إلى (برقة)، ثم فتح (طرابلس) سنة (23هـ/643م)ثم قاد عبد الله بن أبي السرح أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه - وكان واليا على مصر - حملة على إفريقية سنة (27هـ/647م) ففتح (سبيطلة) سنة (28هـ/648م).

ثم كانت حملة معاوية بن حديج السكوني سنة (45هـ/665م) على رأس عشرة آلاف من المسلمين، وحقق انتصارات باهرة على الروم. وخرج عقبة بن نافع إلى إفريقية - وقد ولاه إياها الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - سنة (50هـ/670م) وهو يعتبر أول الولاة الذين اختصوا بولاية إفريقية منفصلة عن مصر.

ولم يكن اختيار عقبة بن نافع لموضع مدينة (القيروان) عفويا، وإنما كان لحكمة وسعة أفق ودراية سياسية اتصف بها هذا القائد العظيم؛ فبالإضافة إلى هذا السهل المنبسط الفسيح، والذي يشبه في طبيعة أرضه ومناخه - إلى حد ما - مناخ وطبيعة الجزيرة العربية، فقد قدر هذا القائد الذي عركته التجارب أن مركز القيادة العربية الإسلامية الجديد يجب أن يكون بعيدا عن خطر البحر ومفاجآته، ولم يكن للجيش العربي الإسلامي بعد أساطيل بحرية قوية تتقي هجمات الأسطول البيزنطي، وفي نفس الوقت يكون هذا المركز في منأى عن البربر (سكان البلاد الأصليين) الذين اتخذوا من الجبال المنيعة معاقل وحصون لهم يحتمون فيها من الأعداء، ويتقون بها هجمات الغزاة.

كما وأن تلك المنطقة التي اختارها عقبة بن نافع لمدينة صالحة لرعي الإبل، وهي سفينة صحراء العربي التي لا غنى له عنها.

لهذه الأسباب وغيرها اتخذ عقبة بن نافع قراره في اختيار هذا الموقع ليكون دارا جديدة للعرب والمسلمين، على الرغم من مخالفة أصحابه له في أول الأمر، فقد كان الأمراء الذين معه يرون أن مركز القيادة ينبغي أن يكون قريبا من البحر ليجمعوا بين الجهاد والمرابطة. ولكن عقبة بن نافع رد عليهم قائلا: إني أخاف أن يطرقها صاحب (القسطنطينية) ويهلكها، ولكن اجعلوا بينها وبين البحر مالا يدركها معه صاحب البحر، ولا تقصر معه الصلاة فيكون لكم أجر المرابطة والجهاد. فلما اتفق رأيهم على ذلك قال لهم: قربوها من السبخة فإن دوابكم الإبل وهي التي تحمل أثقالكم.

وهنالك ملاحظة جديرة بالذكر ألا وهي أن العرب قد دأبوا منذ بواكير الفتوح الأولى وتخطيطهم لإقامة المدن والأمصار الإسلامية من البصرة والكوفة في العراق إلى الفسطاط في مصر إلى القيروان بإفريقية، أنهم كانوا يختارون لهذه المدن والأمصار السهول المنبسطة لتكون قريبة من نوع حياتهم في الصحراء العربية التي اعتادوا عليها لقرون طويلة.

وهكذا تم الأمر حسب رأي القائد عقبة. وشرع في تخطيطه مدينة القيروان. وبنى مسجدها الجامع الذي كان المنارة الأولى التي منها انطلق النداء الخالد:[الله أكبر.. الله أكبر] لتتجاوب مع النداء جنبات هذا الوادي الفسيح ويرتد صداها حتى يصل إلى أعماق إفريقية والمحيط الأطلسي وجنوب أوروبا في قابل الأيام. وأقام عقبة بن نافع قبلة محراب هذا المسجد في حفل مهيب أثار النفوس وملأها شجوا وفخارا.

لقد كان ينتظر هذه المدينة أحداث جسام، وقد أصبحت العاصمة الإسلامية الأولى في المغرب الإسلامي، فعليها أن تقوم بالدور الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لها في نشر الإسلام وامتداد نفوذه في عمق إفريقية وأوروبا وجزر البحر المتوسط.

لقد أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان سنة (51هـ/671م) لتكون قاعدة الإسلام الأولى وحصنه المنيع، وانطلاقا لجحافل جند الإيمان منها إلى مختلف الاتجاهات، لنشر الدين الإسلامي الحنيف. والقيام بهذا الدور الرحماني الذي يشمل كل مناحي الحياة العسكرية والسياسية والحضارية والدينية معا كل لا يتجزأ.

وبعد أن انتهى عقبة بن نافع من بناء القيروان جمع وجوه أصحابه وكبار العسكر، فدار بهم حول القيروان، وأقبل يدعو لها ويقول في دعائه: "اللهم املأها علما وفقها، واعمرها بالمطيعين والعابدين، واجعلها عزا لدينك، وذلا على من كفر، وأعز بها الإسلام، وامنعها من جبابرة الأرض".

وهكذا غدت مدينة القيروان في المغرب الإسلامي وشمال إفريقية مفخرة المغرب ومركز السلطان وأحد الأركان. وكان العلماء وأهل القيروان كالرأس وسائر بلدان إفريقية كالجسد، واعتبرت القيروان لأهل المغرب أصل كل خير، والبلاد كلهم عيال عليها، فما غصن في الآفاق المغربية مطلقا إلا منها علا، ولا فرع في جميع نواحيها إلا عليها ابتنى، ومنها خرجت علوم المذهب، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب، وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات.

نيسان ـ نشر في 2015-10-22 الساعة 13:06

الكلمات الأكثر بحثاً