اتصل بنا
 

الحياة من أجل هدف قضية

نيسان ـ نشر في 2018-02-05 الساعة 13:49

نيسان ـ

لا نعرف، على وجه اليقين، إن كان قيس بن الملوح، المكنّى مجنون ليلى، شخصية تاريخية حقيقية، أم أسطورةً تكوّنت من حكايةٍ من هنا وحكايةٍ من هناك حتى استوت لنا بالصورة التي نعرفها اليوم. أقول قد يكون مجنون ليلى شخصاً من لحم ودم وشعر يقطر حبَّاً، وقد يكون أسطورةً أدبيةً اجترحها خيال الصحراء العربية المطلق السراح، ولكن الأكيد أن نهايته، في الحالين، كانت الموت حبَّاً: شاعر أحبَّ، ولم ينل حبيبته، فاختلَّت موازينه، فجنَّ تماماً وهام على وجهه في الصحراء ومات. هل مات قيس بمرضٍ في القلب الذي أصبح عاطلاً عن العمل، بعد أن حيل بينه وبين ليلى؟ أم أكلته الضواري؟ لا ندري، وليس ذلك مهماً على أي حال، فالعاشق مات بعد أن صرعه الحب.
يموت الناس أحياناً بلا سببٍ مرضيٍّ ظاهر، أي يموتون من دون أن يضربهم السرطان أو الفيروسات القاتلة، أو بغير ارتفاع الضغط والسكر وانسداد الشرايين. هنا لا بدّ من البحث عن سبب غير عضويٍّ لهذا الموت، ولكن معظم الناس يموتون بأمراضٍ معروفة، وهي محصورة في عالم اليوم بثلاثة أمراض أو أربعة، أبرزها المذكورة أعلاه، فهل يمكن أن تلعب الأسباب النفسية دوراً في استدراج هذه الأمراض إلى الجسد البشري، والموت، لاحقاً، بسببها؟ حتى وقتٍ قريب، ظلت النظرة الطبية الأكاديمية الغالبة ترفض فكرة تدخل العامل النفسي في استدراج المرض العضوي، أو تحوّل العلل النفسية إلى أمراضٍ عضوية، فالطب الغربي درج، في تاريخه الحديث، على الفصل بين الجسد والنفس، ورأى في الأفكار التي تربط بينهما، لفهم المرض وعلاجه، نوعاً من النزعة الفلكلورية، إنْ لم يكن ضرباً من الشعوذة التي لا مطرح لها في الطب العيادي. لكن نسمع قصصاً عن الموت تذهلنا، وتتحدّى مفاهيمنا المستقرة. مثلا، سمعت، أكثر من مرة، أن رجلاً، كان 'يرشّحه' الطب العيادي للموت قبل زوجته المريضة أيضاً. لكن الرجل، من دون أن يدري، 'يؤجل' موته، لكي يبقى إلى جانب زوجته. يمكن طبعاً أن يكون العكس:
امرأة تفعل ذلك. يحصل أن طاقةً ما تدبُّ في جسد الرجل، وروحه، ويتمكّن من إثبات خطأ التشخيص الطبي. لقد صار للرجل (أو المرأة) هدف واضح. فاحتشدت، كل قواه (أو ما تبقى منها) لكي يحقق هدفه. للباحث الأميركي، بول مارتن، كتاب يجمع فيه أسباباً وقصصاً تؤكد هذه الفكرة 'غير العلمية'، لكن المثل الأبرز الذي يأتي على ذكره يتعلق بـ 'مهرجان حصاد القمر'، الذي يترقبه، بشغف، صينيو كاليفورنيا. ففي دراسةٍ أجريت في أوساط هذه الجالية أن نسبة الوفيات، بين المسنّين الصينيين، تقل، بنسبةٍ ملحوظة، عن معدلها بعد انتهاء هذا المهرجان.
سأذكر مثلاً، أرجو ألا يكون غير موفق، أو غير لائق. لاحظ صديقٌ لي أن بعض الكتاب المسنّين الذي تدرجه ترشيحاتٌ، غير رسمية بالطبع، لجائزة أدبية كبيرة يصارع الزمن، وربما الاستحقاق الجسدي، ليرى ذلك اليوم الذي يطمح إليه. لقد صار له هدفٌ حيوي. ووصولاً إلى هذا الهدف، تحتشد كل قواه لنقله من عام إلى آخر لعل الجائزة المنتظرة تحطُّ عليه. هل هذا ممكن؟ لِمَ لا. مثال الصينيين في كاليفورنيا الذين يعيدهم 'مهرجان حصاد القمر' إلى أمكنة الألفة السابقة، إلى بلادٍ تركوها من أجل 'عيشٍ أفضل'، خير دليل على ذلك. وهذا مثل مدَّعم بإحصاءاتٍ 'علمية'. السؤال الذي تبادر إلى ذهني، وأنا أتحدث عن 'تأجيل' الاستحقاقات الجسدية المحتومة بين الأفراد: هل ينطبق الأمر على الجماعات، يا تُرى؟ موت الأمة، أو الشعب، هو موت مجازي. فلا أمة تموت كما يموت الأفراد. أيمكن للهدف أن يحيي أمةً تبدو في حالة موتٍ مجازي (كما هو حالنا اليوم)؟ نعم ممكن. لقد لاحظنا ذلك في الخمسينيات والستينيات وصولا إلى السبعينيات. فعندما كان هناك 'هدف' عمومي كانت علامات الحياة واضحة على وجوهنا. وليس أدلّ على ذلك من انتعاش أشكال الإبداع الأدبي والفني التي عرفتها تلك الفترة. بلا هدف لا حياة. أقصد بلا قضية. شخص، شعب، بلا قضية هما أقرب إلى الموت منهما إلى الحياة. ليس لدينا دراسات علمية يمكن الاستشهاد بها على هذا الصعيد، ولكن لو كانت هناك لرأينا، ربما، مستوى الصحة الفردية أفضل مما هو عليه الآن. أحكي هذا من رأسي. لا دليل لديّ. ولكني لا أميز، كثيراً، بين ما يصلح للأفراد وما يصلح للجماعات. لأن أصل الجماعة شخص.

نيسان ـ نشر في 2018-02-05 الساعة 13:49


رأي: أمجد ناصر

الكلمات الأكثر بحثاً