اتصل بنا
 

باريس أنت طالق

نيسان ـ نشر في 2018-01-29 الساعة 19:08

نيسان ـ

باريس...أنثى شقراء... نحيلة الخصر... شقراء مجعدة الشعر ...لك شفاه إكتست بلون الروج الأحمر الساطع...شفاهٌ لا تشبع ولا تخجل من التقبيل...بيضاء البشرة ...بطلاء اظافرك الأحمر... منتعية حذائك الأسود اللامع الطويل....يكسو جسدك فستان مكشوف الكتفين و الساقين... بصدرك الممتلئ... تتراقصين بكل انوثتك الجارفة على انغام بيانو فرنسي الصنع...أنت تلك الجميلة التي احببتها قبل زوجتي ... وأنت الحبيبة التي وافقت زوجتي أن تشهد على عقد قراني بها...
ذهبت اليك بليلة شتاء دافئة ... معطفي فرنسي... مظلتي فرنسية ...وعلبة سجائري ودخاني فرنسي...مظلتي وشاحي فرنسي ... حبات المطر تتساقط على معطفي ... على مظلتي...وعلى حذائي...دخان السجائر يخرج متطايرا فوق كتفيّ، يحمله هواء فرنسي عليل، مبددا إيّاه بين حبات المطر المتساقطة... عابرا شارع الشانزيليزيه الى ساحة الحرية...الى ساحة الكونكورد لأشهد عقد قراني على باريس ...بحضور فلوتير وجان جاك روسو وشهداء الباستيل ... شهداء الحرية...

'من شان الله ساعدني'!
كلمات لطمتني على وجهي... وجعلتني التفت يمينا لأجد صاحبة تلك الكلمات مستلقية على الأرض بيدها كأس بلاستيكي، تطلب من المارة العرب أن يملؤه لها مقابل ممارستها لأبشع درجات الذل والاستجداء!...
ولكني لم أدع لتلك السيدة الفرصة لتعرّيني من فرنسيتي ... فأكملت طريقي ... طالبا مزيداً من الأمطار الباريسية...فاختلط تساقط الأمطار بصوت مومس عربية، احتد النقاش بينها وبين مجموعة مومسات طالبات الرزق عن طريق تأجير اجسادهن، وخلافهن كان على من سرقت 'حمدان'، و استحوذت على نقود حمدان!...

عندها قررت أن انعطف لشارع جورج الخامس، هاربا من جمهرة العرب بالشانزليزيه!

طالبا طبق 'لي انتركوت' ذلك الطبق الذي لا يأكله إلا فرنسي مع كأس نبيذ شاتو... عند عتبة تلك الحانة أنزلت مظلتي ونفضت المطر الفرنسي عنها، وههممت بفتح الباب لأدخل الى مبتغاي .
'إتفضل مسيو'!...
كلمة خرجت من صدر تلك الحانة مع دفعي لبابها للدخول... إنه النادل يوسف.

عندها أدركت أن المسافة بين الكونكورد والشانزليزيه يجب أن لا تطول أكثر، لأنها كلما طالت، فسوف اقترب من فاس ومن مراكش...وسوف ابتعد عن عروسي باريس أكثر و أكثر...
ما أن أنهيت طبقي و طلبت 'اوبر' ليقلني الى وجهتي... ولحين وصوله أخرجت علبة سجائري التي القيت بنصفها هدايا واستجداء لأبناء افريقيا، وأبناء الشرق الأوسط الذين يتحملقون حولي !

ركبت 'أوبر' ولم اتفاجأ عندما وجدت أن 'حمداوي' هو سائق سيارة ' اوبر'!...
أقلني لتلك الساحة التي أردت أن أقابل بها عروسي باريس، ساحة الكونكورد ... لأجدها مزدانة بأضواء زرقاء وحمراء فرحت بها كثيرا، لأنها تستعد لعقد قراننا...اقتربت أكثر و أكثر فتبين لي أنها أضواء سيارات الشرطة تحمي مظاهرة ابطالها عرب ينادون بمزيد من الحريات، بوطن عربي لم يعد منهم ولم يعودوا منه !

عندها قلت كفى ...فأوقفت رجل أشقر الشعر وكلمته بلهجة اردنية وسألته ... هل أنا في باريس؟

وأظن أنه فرنسي -لأني لم افهم عباراته وكلماته المرتجفة- وقلت له ، إن باريس أصبحت مومس... تنازلت عن جمالها وعن فنها ... و عن موسيقاها ... تنازلت عن كل ذلك الجمال ... لرجالات لم يتورعوا من دشاديشهم،...ومن أفكارهم السوداوية و رثّ أفكارهم ...
قلت له أن باريس اليوم عربية...
وبالطبع تركني لجنوني وأكمل رياضته على نهر السين ... ليتركني وحيدا تحت أمطار باريس حائر بتلك الجميلة المومس ....

لذلك بعدها ....هربت من باريس لأجد جمال باريس بصالة المغادرين بمطار تشارلزديغول... و مازلت أحاول ان استحضر باريس التاريخ... باريس اليوم... أنت طالق إلى ان تعودي كما كنت...من دون دشاديش...
#الانسان_المهدور

نيسان ـ نشر في 2018-01-29 الساعة 19:08


رأي: محمد ملكاوي

الكلمات الأكثر بحثاً