اتصل بنا
 

الأردن.. الإرهاب والخبز مثلا

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2018-01-15 الساعة 16:18

نيسان ـ ترفع الحكومة الأردنية أسعار الخبز بنسبة مائة بالمائة، أما المخابرات فتضبط 17 متهما كانوا يخططون لعمليات إرهابية، تطاول منشآت عامة وخاصة، وأفرادا، ومؤسسات إعلامية. يعزّز تزامن الخبرين، في الأيام الأولى من العام الجديد، ما أبانته، بشأن ثقة الأردنيين بمؤسسات الحكم والشأن العام في بلدهم، استطلاعات المؤشر العربي الذي ينجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وهو أن هذه الثقة بالمخابرات والجيش وأجهزة الأمن تتفوق على الثقة بالحكومة والبرلمان والأحزاب، بل إن ثقة الأردنيين بجهاز المخابرات هي الأولى عربيا، وتصل إلى 77% بثقة كبيرة، و18% إلى حد ما، وبالشرطة هي الثانية (بعد الكويت)، وهي 70% بثقة كبيرة و23% إلى حد ما، وذلك في مؤشر العام 2016، والذي أفيد فيه بأن ثقة الأردنيين بالحكومة في بلدهم كبيرة بنسبة 28% وإلى حدّ ما بنسبة 39%. وليس مسوّغ التذكير هنا بتلك المعطيات (التفاصيل متوفرة في موقع المركز العربي) رفع الحكومة الأردنية أسعار الخبز (وسلع أخرى) فيما تُحبط المخابرات جرائم إرهابيين (كلهم أردنيون بحسب الأخبار)، وإنما أيضا أن منتدى الاستراتيجيات الأردني نشر، قبل أيام، دراسةً استطلاعية، تؤكد مجدّدا ما أفاضت بشأنه استطلاعات المؤشر العربي في ثلاث سنوات متوالية، إذ توضح الدراسة أن نسبة ثقة الأردنيين بالجيش 90.3% وبالشرطة 82%، فيما هي بالحكومة 52.2%، وبالدوائر الحكومية 44.4%. وفيما كان مؤشر 2016 للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يفيد بأن 9% من الأردنيين فقط يرون أن البرلمان يمثلهم بشدة، و28% يمثلهم بدرجة متوسطة، و4% يرونه يمثل مصالح الشعب، فإن استطلاع المنتدى الأردني يبين أن 21% من الأردنيين يثقون بالبرلمان.


إذن، تتردّى مستويات الثقة العامة من المواطن الأردني تجاه الحكومة، وتتعزّز تجاه مؤسسات الأمن، لما ييستشعرها من واجباتٍ تقوم بها الأخيرة، في حمايته، فيما لا تجد الحكومة غير جيوبه لحل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، أو بشكل أدق أزمة عجز الحكومة عن توفير إيراداتٍ توازي الإنفاق العام. كأن هذا المشهد، بتفصيله الظاهر هذا، ينطق بأن على الأردنيّ، ما دام ينعم بالأمن والأمان في بلده، أن يحتمل رفع الأسعار، ويخفّف من استهلاكه الخبز، ولا يسخر من الـ 32 دينارا (45 دولارا) التي سيتسلمها من الحكومة سنويا، دعما لحاجته من الخبز، في حالة تطابق معايير الحكومة عليه مواطنا محتاجا للدعم. وليترك الأردنيون الكلام الكبير والكثير عن عدم مسؤوليتهم عن سياسات مالية فاشلة، كانت تُراكم العجز والمديونيات العالية سنواتٍ، وتريد حكومة هاني الملقي (كما سابقاتها ولاحقاتها) استدراك الحال، باجتراح خطط إصلاحاتٍ اقتصادية، تقوم أساسا على تخفيف الدعم عن سلع كثيرة، والرفع الدوري لأسعار المحروقات، وزيادة الضرائب (يطالب صندوق النقد الدولي بزياداتٍ أعلى).
استقبل الأردنيون العام الجديد في أجواء رفع الأسعار، وباستنفار مشاعرهم الوطنية بشأن القدس، وبالانتباه إلى أن الإرهاب يتربّص ببلدهم، وبنذرٍ تبعث على التشاؤم بشأن انتعاشٍ مُشتهى في سوق العمل، يحدّ من ارتفاع البطالة إلى 18% في العام الذي انقضى، وكانت نحو 16.8% في نهاية العام الذي سبقه. وها هو الملك عبدالله الثاني يلح، أمام نواب منتخبين، قبل أيام، على أن يكون الاهتمام بالمصالح الداخلية والوطنية المحلية فوق الاعتبارات والحسابات الإقليمية. وأمام الفوقية السعودية غير الخافية في التعامل مع الأردن وحاجياته، وأمام قلة الاكتراث الخليجي به (في مقابل السخاء والدلال مع مصر)، فإن نخباً واسعةً، عارفة وخبيرة، ومعها كثيرون من أهل القرار، صاروا يدعون إلى تدوير التحالفات الإقليمية، والالتفات إلى حيث المصالح، مع تركيا مثلا (متى يفطنون إلى قطر؟)، من دون حسابات المحاذير المبالغ فيها، بشأن العربية السعودية تحديدا.
ليس في وسع الحكومة الراهنة استدراك شأنها، وترميم تآكل الثقة بها (كما غيرها؟)، بعد أن مرّ الأصعب، وبقي الصعب، بعد أن صار الأردنيون في مقادير عريضةٍ من الحيرة والأسئلة الملتبسة، بشأن ما ينتظرهم، وما سيواجهه بلدهم، وقد صاروا مطالَبين بتخفيف استهلاك الخبز، وبمزيدٍ من الثقة بالمخابرات والشرطة والجيش أعلى فأعلى.

نيسان ـ نشر في 2018-01-15 الساعة 16:18


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً