اتصل بنا
 

اللص غير الظريف

نيسان ـ نشر في 2017-12-11 الساعة 15:10

نيسان ـ انتهى الأمر أخيرا، وعاد الناس إلى بيوتهم هانئي البال، مرتاحين للخاتمة السعيدة المذهلة. تم ذلك بسهولةٍ لم أتوقعها، لم يتطلب تحقيقه سوى إطلاق رصاصتين من مسدّسي المعبأ، وقد استقرتا في رأس دونالد ترامب الأجوف الكبير، الخالي من أي منطق أو قدرة على التمييز. انطرح الجسد الغبي على سجادة حجرة جلوسي، مضرّجا بدمائه الدبقة العنصرية. لاحت ابتسامة محمود المصري الغزاوي، أول شهيد ارتقى فداء للقدس في يوم الغضب الكبير. أومأ برأسه سعيدا، وهو يردد 'تسلم إيدك يا خالة'، أين تعلمت التصويب بهذه الدقة؟ نفخت على فوهة المسدس مزهوة، أعدته بخفةٍ إلى الغمد، لوحت له متسائلة: كيف الوضع عندك يا بطل؟ لمعت عيناه ببريق عجيب، ثم توارى وجه الفتى الغض الجميل بين سحب بيضاء، تكاثفت حولة بخفةٍ وجمال. تجمع أولاد وبنات مثل باقة وردٍ ندية، يرتدون ألوانا زاهية، ويرفعون طائراتٍ ورقية، اخترقت السقف غير عابئين برجائي لهم التزام الهدوء، كي لا نزعج الجيران، وهم يغنون بفرح 'يا طير الطاير.. يا رايح على الديرة'.
كان آخر ما تفوه بها الوغد، قبل أن يلفظ آخر أنفاسه الحقيرة: سامحوني، كنت مخطئا. التبس الأمر علي، قصدت أن أقول إن فلسطين برمتها عربية، والقدس قدسكم بطبيعة الحال. من الخرف الذي يجرؤعلى قول عكس ذلك؟ أجاب الصغار بصوت واحد: لن نسامحك أبدا أيها اللص غير الظريف. إحساس ببهجة الانتصار لا يخلو من غرور، استولى على حواسّي، لأني خلصت بني قومي من شر هذا المسخ الأفاق الذي تطاول، من دون حياء، على قدسنا، وباع واشترى فيها كأنها لقيطة بلا أهل يحرسونها برمش العين! كنت على يقين من أنني نلت رضا والديّ ومباركتهما في مقامهما الأخير، كيف لا ومشهد إخوتي، ونحن صغار، نلهو في باحة المسجد الأقصى، ما زال ماثلا في روحي. نزجي الوقت بتسلق الدرجات، صعودا وهبوطا. ومراقبة الكبار يدلفون البوابات بانسيايبةٍ من دون أن يوقفهما صهيوني وافد بغيض. نلعب بفرح انتظارا لعودتهما من الصلاة، كي يصحبوننا بعد إشعال الشموع في كنيسة القيامة.
يقود والدي سيارة عمي الفوكس البيضاء، موديل 66، في جولة إلى مدن فلسطين، بحريةٍ قصوى، من دون أدنى تصريح يمنّ به عدو غاشم. يستقبلنا في نابلس صديق والدي، ورفيقه في الجيش العربي، بفرح وقد أعدت زوجته المسخّن بالخبز الساخن والدجاج البلدي، مرنخا بالزيت الحر البكر. نتحلى بصينية كولاج محشوّة بالجبن، وأخرى بالجوز والقرفة، ونستمع إلى ثرثرات الكبار، يحتسون القهوة بأمان قبل عودتنا مبتهجين، عبر طريق القدس عمّان. فرحت كثيرا، حين خطر في بالي أن العم النابلسي وزوجته، رحمها الله، يشاركان والدي مشاعر الفخر والأمل، والثقة بجيلنا القادر، على الرغم من كل الخيبات، وربما بفعلها، على المضي في درب الحرية والنصر، على الرغم من الجدل الدائر بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ويائس من جدوى التعبير الإلكتروني عن موقف رافض إعلان ترامب البذيء، وسيل الشتائم والإدانات للأنظمة التي كشفت عن تخاذل مشين، يصل إلى حد التواطؤ الجلي، وتراشق بالتهم، يوجهه الجميع للجميع، في مشهد فوضوي سوريالي، سوف يعاني الفلسطيني وحيدا تبعاته على مستوى يومي يمسّ كل تفاصيل حياته الشائكة المتعثرة من حيث المبدأ، حين يحل النسيان الرسمي المألوف والمتوقع، حال خفوت الضجيج، وانطفاء الكاميرات، بانتظار حدث جديد أكثر إثارة وتشويقا.
صحوت من نومي المتقطع غير مذعورة، بل يغمرني الأمل. وحين حل الصحو كاملا، وأطل الوعي متيقظا متأهبا، اختفت جثة ترامب، غير أن غناء الصغار استمر عاليا ومدويا، وهم يرددون 'والله يا مسافر شعلانه هالغيرة/ فلسطين بلادي حلوة يا ما شالله'. مشاركة

نيسان ـ نشر في 2017-12-11 الساعة 15:10


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً