اتصل بنا
 

أبعد من واقعة تحرّش

نيسان ـ نشر في 2017-11-27 الساعة 15:27

نيسان ـ

أثارت حلقة من برنامج 'شباب توك'، في قناة تلفزيونية ألمانية بالعربية، بثتها من عمّان، جدلا واسعا، فقد كان أحد المشاهد فيها صادما ومثيرا للحرج، ومسيئا للأردن، ومهينا للنساء الأردنيات، حين تجاوز النائب السابق، محمود الخرابشة، الأعراف التلفزيونية التي تمنح مقدم أي برنامج حواري صلاحية إدارة دفّة الحوار بالطريقة التي يراها مناسبةً، وتجعل الضيف، مهما كان مركزه، وبمجرّد موافقته على المشاركة، مستجيبا لقواعد البرنامج. لقد تطاول الأستاذ الفاضل، الذي يفتقر، على ما يبدو، إلى آليات التحكّم بالغضب، على فتاة في الواحد والعشرين من عمرها، لعلها في سن أحفاده، تحدثت بمنتهى التهذيب واللباقة عن ظاهرة التحرّش، وعن تجربتها في هذا السياق، فأقدم على نهرها، والسخرية منها، واللمز من قناتها، بالتلميح غير البريء إلى التعريض بأخلاقها، وبتكذيبها والتشكيك بأردنيتها. وذهب بعيدا في هذا الطرح المؤسف، مطالبا الفتاة بإبراز هويتها، للتأكد من أنها مواطنة أردنية، انطلاقا من فكرة سوريالية غرائبية، موجزها أن الأردنيات لا يذهبن إلى الإذاعات! وكأن تعبير أي شخص عن أفكاره، وهو ما يمارسه الخرابشة بكل أريحية على كل المنابر، حكر عليه، وحين تزاوله امرأة، متساوية معه في الحقوق والواجبات بحسب الدستور الأردني، يصبح الفعل ذاته مجلبةً للخزي والعار.
للنائب السابق تاريخ في الحطّ من شأن المرأة، فقد هاجم بضراوة حق الأردنية المتزوجة من أجنبي بمنح الجنسية لأبنائها، وطالبها بالإقامة في بلد زوجها. ولم يكتف، في برنامج الفضائية الألمانية، بالتهجّم على الصبية المسكينة، بل أهان الضيف مقدّم البرنامج، جعفر عبد الكريم، وهدّده بقلب الدنيا على رأسه، غير أن الزميل الصحافي كان مهنيا وحرفيا، وحاول، بكل جهده، الدفاع عن كرامة ضيفاته، ورفض الإساءة لأيٍّ منهن، ما حدا بالنائب السابق إلى الانسحاب من الجلسة غاضبا، في تعبيرٍ عن عجزٍ فادحٍ عن ممارسة سلوكٍ ديمقراطي بديهي، وعدم القدرة على الاستماع إلى الرأي الآخر، وعلى مقارعة الحجة بالحجة، والتعويض عن ذلك باللعب على المشاعر الوطنية الرومانسية التي تصوّر الوطن مدينة فاضلةً، لا تشوبها شائبة، مواطنوها ملائكة يرفرفون بالأجنحة الخفاقة، غافلا عن سجلات المحاكم الجنائية الروتينية الحافلة بقضايا التحرّش والاغتصاب، وهتك العرض وسفاح القربى والقتل والتنكيل بالنساء بالعنف الأسري بكل أشكاله، وأحيانا كثيرة سلب حقهن الشرعي في الميراث، في مخالفةٍ بيّنةٍ لشرع الله، بذريعة الحفاظ على أملاك العائلة، خشية أن يستولي عليها الغريب.
والغريب في هذه الحالة أن زوج الشقيقة المغلوبة على أمرها، وأبناءها، وهي التي تخضع مرغمةً مقهورة على التنازل عن حقها، مرضاة لموروث اجتماعي بائس، يتعاملون معها بدونية وإجحاف. والصادم أكثر ردود فعل الشارع الأردني من خلال حجم التأييد، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بموجةٍ من عبارات المباركة والإعجاب بسلوك النائب المغوار، فاعتبروه بطلا قوميا رفع راية الوطن عاليا (!)، لأنه، بحسبهم، سجل انتصارا على الصبية عاثرة الحظ. فيما كان الحرّي به أن يسلك معها أسلوبا أبويا يستمع إليها بحنوٍّ وتفهم، وهي التي خاطبته تأدّبا بكلمة 'عمّو'، فلا سبب في الدنيا يدعوها إلى اختلاق قصةٍ كهذه، تتعرّض لمثلها نساء كثيراتٌ، غير محجّبات ومحجّبات، من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية، وفي كل مكان، في الأسواق ومقار العمل، وحتى على الإشارة الضوئية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، حين يقدم رجالٌ كثيرون على انتهاك الخصوصية، وعلى التحرّش بصفاقةٍ، لا يثنيهم عن التمادي سوى صفعة بلوك على سحناتهم البليدة.
المفجع حقا تأييد نفر من النساء، تحت تأثير الحميّة الوطنية، طروحات النائب السابق، المسيئة بكل المقايس للمرأة الأردنية الحرّة الشجاعة، الواثقة من نفسها، الثائرة على الإهانة والتجريح، المنتصرة لكرامتها، في وطنٍ حر يتبنّى الشفافية في التصدّي لكل الظواهر السلبية، وينبغي ألا يكون هشّا إلى درجة الرعب من مواجهة الحقائق، يصرّ بعضهم فيه على المضي في سلوك النعامة، طامرين رؤوسهم في رمل الإنشاء والخطاب الشاعري الوهمي، الفضفاض المترهّل، الذي كاد أن يفضي بنا إلى خرابٍ شامل.

نيسان ـ نشر في 2017-11-27 الساعة 15:27


رأي: بسمة النسور

الكلمات الأكثر بحثاً