اتصل بنا
 

رفعت السعيد.. اليسار خادماً للسلطة

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 13:35

رفعت السعيد: عدو الإخوان المسلمين ومهادن للأنظمة الحاكمة في مصر.
نيسان ـ

ليست ماركسيّته، المصحوبة ببعض الشيوعية في طورٍ بعيد، الملمح الأهمّ في شخص الوجه السياسي المصري، رفعت السعيد، الذي رحل قبل أيام عن 85 عاماً، وإنما عداؤه المتشدّد للإخوان المسلمين، أزيد من ستة عقود. أقام فيه من دون أن يكترث، يوماً، بأي ضرورةٍ لأي نوعٍ من السياسة في محاورةٍ معهم، أو إقامة أي لونٍ من التواصل وإياهم، في أي شأنٍ أو مسألة، لأنه لم ير غير العداء ينفع معهم، لا الخصومة ولا المخالفة ولا المكاسرة ولا المنافسة، ولا أيّ من صنوف اللعب السياسي، التكتيكيّة الوقتية التي زاولتها فاعلياتٌ وأحزابٌ وشخصياتٌ مصريةٌ متنوعة مع الإخوان المسلمين، في محطاتٍ مختلفة، تبعاً لحساباتٍ ورهاناتٍ متحوّلة سائلة. شذّ رفعت السعيد، والحزب الذي كان من مؤسّسيه وقيادييه قبل أن يتزعمّه سنواتٍ، التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، اليساري التكوين والنزوع، شذّا عن تشكيلات المعارضة المصرية في ذلك، قناعةً منه بأن 'الإخوان'، منذ صاروا وإلى الأبد، إرهابيون ومتأسلمون.
لعل هذا العداء الذي صيّر كل الإخوان المسلمين 'فزّاعةً' و'فوبيا' لدى صاحب 'السكن في الأدوار العليا' هو المعيار الأصلح لقياس منسوب معارضته أنظمة الحكم في بلده، فإذا كانت أسبابٌ وفيرة تسوّغ لمثقفٍ ومناضل يساري مناهضة نظام أنور السادات، فالظاهر أن سماح الأخير لإسلاميين وإخوانيين بمقادير من النشاط والحضور في الفضاء الاجتماعي المصري هو السبب الأهم في أن يكون السادات أكثر من عارضهم السعيد من رؤساء مصر، وإنْ يصعب أن يقع الباحث في سيرة الرجل، السياسية والفكرية، على مقادير وازنةٍ لمعارضته نظام حسني مبارك، إلى الحد الذي جعل القناعة ذائعةً بأنه 'هادن' هذا النظام كثيراً، بل وبدا شريكاً في خدمته، من موقع اليسار الناعم الذي يكتفي بالصوت العالي ضد وزيرٍ للزراعة مثلا، أو مسؤول في قطاع حكومي، شاهداً على انحيازه إلى الجماهير، وعلى مناوأته السلطة. وقد تكون تلك المهادنة (أو الخدمة) وراء تعيين مبارك رفعت السعيد، مرة، عضواً في مجلس الشورى. ولا يُنسى هنا أن الشيوعي القديم امتنع عن دعوة ناشطي حزب التجمع وأنصاره إلى المشاركة في مظاهرات ثورة 25 يناير في أيامها الأولى (كما الإخوان!).
أما عن جمال عبد الناصر، فقد حافظ رفعت السعيد على موقفٍ نقديٍّ منه، ما قد يعود إلى شدة القمع الذي ألحقه نظام الزعيم الراحل بالشيوعيين، وكان صاحبنا واحداً منهم، في اعتقاله سنوات. وظل، حتى في خريف عمره، يضنّ على ثورة 23 يوليو بالأخذ باسمها هذا، ويُؤثر تسميتها 'حركة الجيش'، ويرمي عبد الناصر بالدكتاتورية. وفيما حاله هو هذا، فإن من عجائب صاحب 'البصقة' أنه، في ولائه الأعمى للجنرال عبد الفتاح السيسي، لم ير أياً من صنوف الدكتاتورية والقمع يمارسها نظام المذكور. ويتعامى، وهو المجرّب في المعتقلات، عن الانتهاكات الجسيمة التي يقترفها هذا النظام، بل يُفرط في مديح السيسي إلى حد الابتذال الذي لم يكن المثقف السياسي المعروف، في ثمانينياته، في حاجةٍ إليه، من قبيل مزاودته في سعوديّة جزيرتي تيران وصنافير، وفي قوله، قبل أسابيع، إن السيسي هو الأنسب لفترة رئاسية ثانية، و'كل من يحاول منافسته أحمق'.
ذلك العداء الذي استحكم في جوانح رفعت السعيد تجاه الإخوان المسلمين، وتجاه الإسلاميين عموماً (سمّاهم مبكراً المتأسلمين) أخذه إلى تغييب البعد الأخلاقي في الثقافة اليسارية ومظانّها الأولى، ليس فقط عندما استخدم لغةً فاشيةً مروّعةً في أثناء اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة، وبعد فضّهما، وإنما في مطارح بلا عددٍ في كتاباته، ومنها مذكّراته وأحاديثه الصحافية، فقد حفل هذا كله بانعدام التأدّب والتهذيب، وبالانتقائية البائسة، وبغيابٍ فاضح لأي روح نقدية وعلمية، وهو الباحث في التاريخ، وله مؤلفه عن تاريخ الحركة الشيوعية في مصر (رسالته للدكتوراه في ألمانيا)، وأهل الاختصاص في موضوعها أدرى بقيمتها ومستواها.. أما نحن، من قرأنا رفعت السعيد في زمنٍ مضى، وأعجبتنا فيه المثابرة والروح الكفاحية في دفاعه عن قناعاته، فإن حجارةً ثقيلةً رمانا بها حاله، لما صار من أعلام يسارٍ عربيٍّ ينتصر للدكتاتوريات، يخلو من الإحساس الإنساني، ويفتقد الأخلاق اللازمة.. وخديم للسلطة أيضاً.

نيسان ـ نشر في 2017-08-21 الساعة 13:35


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً