اتصل بنا
 

الطفل الباكي وقواعد التربية والاستثناء

نيسان ـ نشر في 2017-08-03 الساعة 15:05

أصف المقال بعنوان تجربة تربوية: الثبات على الموقف وتحدي الخوف في تربية الأطفال.
نيسان ـ

كنا نقف في طابور طويل من المسافرين عندما انتبهت فجأة لليد الصغيرة وهي تلوح باتجاهي، كانت الأم الشابة تقف أمامي في الصف، يفصلني عنها شخصان أو ثلاثة، لكن هذا لم يمنع الطفل الصغير بين ذراعيها من التلويح والابتسام لي، وكلما حجبني عنه شيء أو شخص، بحث عني برأسه إلى أن تلتقي عيوننا فيبدأ مجددا في التلويح والابتسام.

لم يتوقف الصغير بين ذراعي أمه عن التلويح والابتسام طوال الرحلة، في المقابل لم يتوقف الطفل الثاني الذي تمسك بيده الصغيرة وتجره إلى جانبها عن البكاء ولا لحظة واحدة.

الأم وطفلاها، جذبوا أنظار الجميع، فهي شابة صغيرة شديدة النحافة، شاحبة الوجه من التعب والإرهاق، تحمل إلى جانب الطفلين حقيبة على ظهرها. أما الطفلان القريبان في السن، فأحدهما لا يكف عن الضحك والتلويح بيده والثاني لا يكف عن البكاء والصراخ والرفس، والجميع يتابع في صمت ولا مبالاة.

تعليق ابني على هذا المشهد هو ما دعاني إلى كتابة هذا المقال، فقد نظر إلي وقال: هل كنت في هذه السن أشبه الطفل الضاحك أم الباكي؟

والحقيقة أنني في اللحظة التي سألني فيها ابني هذا السؤال كنت أفكر في شيء مشابه تماما لما خطر بباله ويتعلق بحادثة وقعت لي معه وعمره لم يتجاوز السنة ونصف السنة تقريبا.

كنت لا أزال أما شابة، جاهلة بقواعد التربية، مربكة وخائفة، عندما أخبروني أن أهم ما في التربية الثبات على الموقف وعدم التردد بين نعم ولا أو بين اللين والشدة.

في إحدى المرات وضعت طفلي في عربته الصغيرة لكنه رفض البقاء فيها وبدأ في فك الحزام، والرفس والصراخ، ولأنني خفت إن أنا رفعته إلى ذراعي أن يتعود فيكرر حالة الهيجان والتعنت كثيرا، فقد تركته يبكي ويرفس بلا توقف مسافة لا تقل عن 3 كيلومترات أو ما يعادل نصف ساعة من المشي.

عندما وصلنا ورفعته كاد يغمى عليه من الشهيق وكاد يغمى علي من هول منظره. كلما تذكرت هذه الحادثة عاودني البكاء: لم ألمسه، لم أرفعه، ولم أتوقف لحظة عن السير كأن لا شيء يحدث في العربة.

كنت أحاول أن أطبق قواعد التربية كما تلقيتها من كتب المختصين والخبراء: إذا رفعته مرة سترفعينه إلى الأبد.

الآن أنظر إلى هذه الأم الشابة وهي تقع في الخطأ نفسه وأتمنى أن تتوقف لحظة عن التقدم بلامبالاة مصطنعة، أن تضع الضاحك على الأرض، وترفع الباكي إلى ذراعيها ولو للحظة واحدة، أن تحدثه قليلا، تجلس على ركبتيها وتخاطبه بلين ومحبة، بدل هذا التجاهل المقصود والذي يرسل له رسالة مفادها “أنا لا أراك وأنت على هذا الوضع، اهدأ وسنتحدث”.

صحيح أن التربية علم مهم له قواعده وقوانينه وشروطه والتزاماته، لكن الأصح أن لا ننسى أننا نطبقها على بشر وليس على آلات، وأن الإنساني ليس بالضرورة تربويا أو صحيا دائما.

هناك دوما استثناء ما في مكان ما، في موقف ما، في لحظة ما، هو ما يجعل من البشر بشرا.

نيسان ـ نشر في 2017-08-03 الساعة 15:05


رأي: لمياء المقدم

الكلمات الأكثر بحثاً