اتصل بنا
 

المباطحة أم ركاكة السياسة؟

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-08-03 الساعة 13:41

نائب أردني يتحدى نائب إسرائيلي في مباطحة على جسر الملك حسين
نيسان ـ

تبدو مسليةً 'حدّوتة' النائب الأردني، رئيس لجنة فلسطين في برلمان بلاده، يحيى السعود، وقد توجّه، بمواكبة كاميرات إعلاميين في فضائياتٍ ومواقع إلكترونية، إلى جسر الملك حسين بين الأراضي الأردنية والفلسطينية، لملاقاة النائب الإسرائيلي، أورن حزان، في مباطحةٍ بينهما، كان قد تم الإعلان عن موعدها، لتنعقد صباح أمس الأربعاء. ولا سيما أن السعود معروفٌ بخفّة ظله، (وخفّة أدائه نائباً؟)، وهو توعّد غريمَه بالمنازلة، بعد أن تفوّه هذا بكلام مسيء عن الأردن، عقب جريمة قتل الأردنيّين في السفارة الإسرائيلية في عمّان. وافق حزان على المباطحة، وتوجّه إلى موقعها المقرّر، غير أنه، في لحظة أخيرة، عدل عن القصة كلها. وقبِل أن يعود أدراجه، بطلبٍ من رئيس الحكومة، نتنياهو، صرّح إنه كان يودّ لقاءً مع السعود، ينقل فيه رسالة سلامٍ إلى الشعب الأردني من الشعب الإسرائيلي، غير أن السعود اعتبر أنها 'العين الحمراء' ما جعلت 'الصعلوك الزنديق' يتراجع، وأكّد رفض الأردنيين أي سلامٍ مع الإسرائيليين المحتلين. وتسلّى كثيرون بالمقاطع المصوّرة في رحلة المباطحة التي لم تتم، وضاعف من جرعة التسلية في 'الحدوتة' كلها ما ذاع عن سيرة نائب الكنيست الليكودي حزان (34 عاماً)، وفيها ما فيها من قلة الحياء في حانات بلغاريا وتل أبيب.
أخذاً بما طلبه يحيى السعود من الإعلاميين عدم التعامل بسخريةٍ مع سعيه إلى تلقين النائب الإسرائيلي (الخنزير بحسبه) درساً، يمكن التقاط الجدّي في هذه القصة، بالزّعم هنا إن المباطحة، كلاماً ليس غير، هي ما تسلكه الدولة الأردنية مع قضية قتل الأردنيّين في السفارة، فالوعيد تلو الوعيد لإسرائيل، سياسياً ودبلوماسياً وقانونياً، هو ما يستمر فيه وزير شؤون الإعلام، الناطق باسم الحكومة، محمد المومني، وزميله وزير الخارجية، أيمن الصفدي، بشأن استحقاقاتٍ على تل أبيب دفعها، بموجب ارتكاب أحد 'دبلوماسييها' جريمة قتل مواطنيْن أردنيين، مضافاً إليها جريمة قتل جندي إسرائيلي القاضي الأردني، رائد زعيتر، قبل ثلاثة أعوام، فيما تستقبل حكومة الاحتلال هذه الرغبة الأردنية بالمباطحة باكتراثٍ شحيح، وبدردشةٍ مع رجل الأمن الإسرائيلي القاتل، تنتهي بإبداء هذه الحكومة استعدادها تعويض عائلة أحد القتيلين بمبلغ سخي. ما يعني أن حدود المنازلة 'القانونية' التي ترغب بها عمّان في شأن 'الحادثة المؤسفة' هي هنا فقط، قتل خطأ للطبيب بشّار الحمارنة، وقتل دفاعي عن النفس للفتى النجّار محمد الجواودة. أما بشأن مطلب اعتذار إسرائيل، وتلبية كامل المتطلبات القانونية، قبل عودة طاقم السفارة إلى عمّان، فذلك ما سيتكفل بهما جريان الأيام، مع تدخلاتٍ أميركية متوقعة. وفي الأثناء، للصحافة الأردنية، الحكومية الهوى، أن تأذن لكتّاب فيها أن يلعنوا 'سنسفيل' نتنياهو على صفاقته في استقبال القاتل ببهجة الفرح ببطلٍ عائد من الميدان. ولأحد هؤلاء الكتاب، في المقابل، أن يشرح للرأي العام الأردني مقتضيات اتفاقية فيينا التي يحترمها الأردن، ولآخر أن يسوّغ السماح بمغادرة طاقم السفارة، وبينه المجرم، إلى تل أبيب، بالخشية من أن يحشد الأردنيون جموعاً تحتل مبنى السفارة، وتحتجز من فيها رهائن، من شدّة الغضب، كما فعل إيرانيون مع السفارة الأميركية في طهران قبل عقود.
هي ركاكة السياسة، ولا شيء غيرها، يطبع أداء عمّان في مسألة جريمة القتل في سفارة دولة العدوان المحتلة، منذ تعطّل استخدام الممكنات السياسية غير القليلة التي كان بيد صانع القرار الأردني أن يبادر إليها، لمّا كان 'الدبلوماسي' القاتل في السفارة، وقبل أن يُؤذن له، ولزملائه بالمغادرة. والظاهر أن شعوراً بدأ مبكراً لدى الحكم في الأردن بهزيمةٍ دبلوماسية في منازلة إسرائيل 'قانونياً وسياسياً ودبلوماسياً' في معركة الاستحقاقات التي يتوجب أن تدفعها تل أبيب، تتم التغطية عليه بلغة المباطحة الظاهرة والعالية، وأيضاً بالسماح للنائب خفيف الظل، يحيى السعود، بالقيام بحركته الصادرة عن شعورٍ وطني صادق، وفيها ما فيها من مظهرية مسرحية تُغري بالتفرّج عليها دفعاً للضجر، وأملاً بقسط من التسلية، أمام شحّ أسباب التسرية عن النفس.

نيسان ـ نشر في 2017-08-03 الساعة 13:41


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً