اتصل بنا
 

شعب بلا غطاء

مفكر عربي

نيسان ـ نشر في 2017-07-08 الساعة 14:11

التحول الجديد في الأزمة السورية: تقرير مصير الملايين من اللاجئين السوريين وسط غياب الإجماع الوطني والشرعية الحكومية، وتفاقم العدوان عليهم في لبنان وسط تورط حزب الله وتقصير الحكومة اللبنانية.
نيسان ـ

تنتقل المسألة السورية إلى طورٍ جديد، يُراد له أن يكون طور ما بعد الثورة، طور تقرير مصير ملايين السوريين الذين طردهم النظام الطائفي/الاستبدادي من وطنهم، منذ استهدفهم بحملات قتلٍ منظمةٍ نفذها جيشه، لم تترك لهم غير الموت تحت ركام منازلهم، أو الفرار إلى بلدانٍ لا يقيم حكامها وزنا للقوانين، ولحقوقهم بشراً، وليس لديها الرغبة في خدمتهم، تفتقر مؤسساتهم الحكومية إلى إجماعٍ وطني، يمكن أن يفيدوا منه، باعتبارهم لاجئين تقرّ القوانين الوضعية والشرائع السماوية بحقوقهم، وإلى شرعيةٍ وطنيةٍ تقبلها الأطراف السياسية والحزبية، وتلزمها بما تتبناه حكومات بلدانها من مواقف. لو أخذنا لبنان مثالا، حيث يُعامل السوريون كأنهم أسرى حرب لدى حزب الله وامتداداته في الجيش وأجهزة الأمن، وتمارس عليهم سياساتٌ هي امتداد لحرب الحزب ضدهم، وهو الذي أخرجهم من مواطنهم الأصلية في سورية، بعد أن غزاها ودمرها بأمر من خامنئي، لوجدنا أن حكومته في واد وحزب إيران في آخر، وأن كلمته وليس كلمتها هي الحاسمة، وأن سلطاتها لا تشمله في أية قضية تخص إيران وسياساتها الاحتلالية والتدخلية في المشرق العربي عامة، وسورية ولبنان خصوصا.
لا يعني هذا أن حكومة لبنان ليست مسؤولةً عّما يتعرض له السوريون من عدوانٍ على يد جيشٍ تابع لها، يفترض أنه خاضع لإمرتها يضع نفسه بتصرفاته ضد مدنيين عزّل، ويضعها هي أيضا في موقع العداء للسوريين الذين لو كان ربع من اعتقله من لاجئيهم 'إرهابيا'، لما نعم لبنان يوما واحدا بالأمن والاستقرار، ولما تمكّن جنوده من دخول المخيمات، ناهيك عن إلقائهم أرضا وتمريغ وجوههم بترابٍ مغطى بالحصى، وهم عراة الجذوع مكبلو الأيدي.
يقول ما يجري في لبنان أمرين:
أولاً، من اعتدوا على السوريين من دون تمييز، لمجرد أنهم سوريون، أنهوا سياسة النأي بالنفس التي أعلن لبنان الرسمي التزامه بها حيال الصراع الدائر في سورية. لذلك، يجب توجيه سؤال إلى حكومة الرئيس المقدّر سعد الحريري: عن أي نأيٍ بالنفس يمكن أن نتحدث منذ الآن، إذا كان حزب الله يقتل السوريين داخل بلادهم، وجيشكم الرسمي يقتلهم خارجها: في مخيمات البؤس والموت التي طردهم الحزب إليها عقابا لهم على رفضهم نظاما مرتبطا مذهبيا بإيران، هو أقوى ركائزها في المشرق، وأعمق اختراقاتها السياسية والعسكرية والمذهبية للجسد العربي؟
ثانياً، لبنان الرسمي الضعيف حيال لبنان المتحكّم، أي حزب إيران، قرار أن يسهم بقوةٍ في مرحلة قادمةٍ تلوح تباشيرها من الصراع السوري، تقول تصرفات جيشه المفاجئة، وأخبار تركيا والأردن، أنها ستستهدف ملايين السوريين خارج وطنهم، الذين أتاح خروجهم لهم فرصة النجاة من القتل، والتمسك بقضيتهم، فإن نظموا أنفسهم وقرّروا ممارسة عمل سياسي منظم ومؤسسي/ موحد، بقيت الثورة حية، وإن تراجعت أمام النظام في الداخل. للخلاص من هذا الاحتمال، بدأ عمل واسع وجدّي لتمزيق الخارج السوري وإرهابه، وهو الذي تفيد دلائل متنوعة بأنه سيكون ضحية سياساتٍ تريد تحقيق هذا الهدف، سواء أعادتهم طائعين خانعين من خلال 'هدن' استسلامية إلى ركام بيوتهم، حيث ستفرض الأسدية عليهم نمطا من العيش الموتُ أفضل عليه، أو عرّضتهم أدواتها لتصفياتٍ وملاحقاتٍ وسياساتٍ إذلالية تقوّض قدرتهم على أن يظلوا كياناتٍ متماسكةٍ تعي نفسها جزءاً من مجتمع تاريخي، يوحّده الاستبداد داخل وطنه، ونضالهم للعودة إليه وطناً حرّا خارجه، إن أقام الأواصر والصلات المطلوبة بين جزأيه، الداخلي والخارجي، حافظ على هويته الجامعة شعباً ثائراً، يرفض الأسدية وعازم على تجاوز محنته، بما لديه من مؤهلاتٍ فردية وجماعية، وروح وطنية حية ولا تقبل الهزيمة. يريد الأسد وحزب الله تحويل الجسم السوري في لبنان إلى حالةٍ 'غجرية'، ليست كيانا سياسيا أو وطنيا، وليس لها هوية جامعة وقضايا مشتركة، إن عاد بعضها إلى سورية صار عبدا تحت البوط العسكري الأمني، وانضم إلى جموع الأموات من مواطنيه. وإن بقي خارجها نبذ وقتل عشوائيا بالرصاص، أو تحت التعذيب في 'المستشفيات'، مثلما حدث أخيرا في لبنان.
يعتقد أسد إيران أن روسيا قضت على جزءٍ مهم من قوى الثورة، وأنه حان وقت القضاء على حاملها: شعب سورية أو ما تبقى منه، فإن نجح جعله نجاحه خيارا لا بديل له، وقبله العالم. هذه الجريمة الفظيعة لا يجوز أن يشارك فيها جيش لبنان، فهي ليست مهمته، وستلحق مشاركته فيها ضررا فادحا بشعبين شقيقين، لا مصلحة لهما في ارتكابها.

نيسان ـ نشر في 2017-07-08 الساعة 14:11


رأي: ميشيل كيلو مفكر عربي

الكلمات الأكثر بحثاً