اتصل بنا
 

رشيد بو جدرة.. وهذه الحقارة

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2017-06-04 الساعة 13:28

الإعلام يستهدف الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة بعد تصريحاته حول الإيمان
نيسان ـ

كنّا هناك قبل عامين، مثقفين وكتاباً وأدباء وإعلاميين عرباً عديدين، في صالةٍ بهيجةٍ في 'الشيراتون' في وهران، نحتفي بالروائي الجزائري، رشيد بوجدرة (76 عاماً)، بعد أيامٍ من زوبعة فلتةٍ من لسانه في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ معه، أوحت بأنه غير مؤمنٍ بالله، وخارجٌ عن عقيدة الإسلام. قال يومها قدّامنا إن ما قاله، في تلك المقابلة، كان 'دعابةً ثقيلة'، ردّاً على استفزازٍ من المذيعة التي حاورته، في سؤالها له إن كان مؤمناً بالله أم لا. وسمعنا من بوجدرة في 'إيضاحه' أمامنا إنه مسلمٌ وليس ملحداً، وإنه لا يمكن أن يسيء إلى الإسلام وعقيدة الشعب الجزائري، وإنه حفظ القرآن الكريم مرتين. غداة تلك الواقعة، كتب صاحب هذه الكلمات، في هذه الزاوية في 'العربي الجديد'، أنه كان على الروائي الجزائري الكبير، وهو 'الشيوعي الأخير' كما أشاع وصفاً لنفسه غير مرة، أن يتحرّز جيداً في الحديث أمام ملايين العامة في التلفزة عن الإيمان والإسلام، فيما كان مستنكَراً من تلك المذيعة سؤالَها ذاك.
أما بشأن السخرية الحقيرة من رشيد بوجدرة في برنامج 'كاميرا خفية' في قناة النهار الجزائرية، في الأسبوع الماضي، فأمرُها مختلف. ولا يمكن، أولاً وعاشراً، غير استنكار ما اقترفته القناة التلفزيونية مع الكاتب المعروف، والعالمي الذي تُرجمت رواياتٌ له إلى ثلاثين لغة. وإذا كان مدير القناة قد اعتذر عن الفعلة المشينة، وإذا كانت عرائض الكتاب والمثقفين الجزائريين وتصريحاتهم ووقفاتهم ومقالاتهم قد ندّدت بغضبٍ كبيرٍ باستنطاق بوجدرة، وتخويفه من رجال شرطةٍ مزيّفين، من أجل أن يعلن نطقَه بالشهادتين وإسلامه، في ترهيبٍ سخيف، وفي استدعاء الضحك عليه، وهو السبعينيّ الرّيان، فإن ذلك كله لن يمحو من ذاكرة كل من شاهد فيديو 'المقلب' التافه بوجدرة فيه، يستجيب مشدوهاً وذاهلاً، لأولئك الفتية على الشاشة، وهو يؤكد لهم إسلامه واستغفاره وإيمانه. وفي هذا المقام، ليس صائباً بالمرّة، استدعاءُ بعضٍ هنا وهناك تصريحاتٍ ومواقفَ قديمةٍ للروائي المشهور ليس بعضُها لصالحه، فالفخّ السخيف الذي كان على صاحب 'الحلزون العنيد' أن يحتاط جيداً منه هو الموضوع، والذي يفتح نقاشاً ضرورياً بشأن هذا التجرؤ الذي تُجيزه تلفزاتٌ لنفسها في استباحة الناس وخصوصياتهم، مثقّفين كانوا أم غير مثقفين، للتسلّي عليهم وبهم، وإضحاك النظّارة عليهم، وبابتذالٍ يُهينهم، بالضبط كما صنعت 'النهار' الجزائرية مع بوجدرة، وقد أظهرت الشرطةَ في بلادها تمارس ترويعاً للناس ونهْراً لهم، بدعوى الحفاظ على إيمانهم بالله، وهذا مقيتٌ بالطبع.
نعرف أن 'الكاميرا الخفية' نوعٌ من البرامج التلفزيونية الجذّابة، ومعلومٌ أن سياسيين ومسؤولين ومشاهير في الغرب يُستدرجون إليها على شاشات أوروبية وأميركية، ويحدُث أن يُشاهدوا في مواقف محرجة. هذا غير ممكنٍ في مجتمعاتنا، وفي تلفزاتنا الفقيرة الإبداع، وهو غير جائزٍ أصلاً على النحو الذي يتبدّى عدوانياً وفظّاً، وعلى مقادير من الوقاحة الظاهرة، وخصوصاً في شأنٍ بالغ الحساسية، كالإيمان والدين والعلاقة الخاصة بين 'الضحية' ومعتقدها. هذا نيْلٌ من الشخصية وعدوانٌ عليها، ومن المؤسف أن رشيد بوجدرة بدا غير حصيفٍ على شاشة 'النهار'، وربما فاجأه الموقف وأربكه، وجعله على الصورة التي أساءت إليه، شيئاً ما، وأساءت بالتأكيد إلى من اقترفوها بصبيانية حقيرة. ولعلها من شواهد غير قليلةٍ على بؤس حال ثقافي وإعلامي في الجزائر، أن تكون 'الحالة الدينية' التي يقيم عليها رشيد بوجدرة موضوعاً أثيراً للتلفزات والجرائد والنمائم هناك، ويكون إظهار هذا الكاتب الذي يحضر في متن الأدب العربي منذ أزيد من خمسين عاماً مجبراً على رفع يديه للدعاء لله، ليكون مشهدُه هذا مدعاة ضحكٍ وتسليةٍ على شاشة التلفزيون، بعد إفطار يومٍ رمضاني، فيصير صحيحاً قول كثيرين إن مسخرة الكاتب العربي أمرٌ ميسورٌ.. هل ثمّة ما هو أحطّ من هذا الحال؟ هل هذا هو ما يحسُن أن نعرف من الجزائر، بعد كثيرٍ نعرفه عن مرضها السياسي والاجتماعي والثقافي الماثل؟

نيسان ـ نشر في 2017-06-04 الساعة 13:28


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً