اتصل بنا
 

عن سيرة وليد سيف

كاتب اردني مغترب

نيسان ـ نشر في 2016-12-17 الساعة 05:08

كتاب الدكتور وليد سيف يستعرض سيرته ومراجعاته الفكرية بأسلوب شائق ورهيف، ويتحدث عن قيمة كتابة المذكرات والسيرة وأهميتها في انتقاء الفردانية والوصل بين الخاص والعام والفضاء الثقافي الواسع. ويتناول الكتاب قضايا متعددة منها القضية الفلسطينية والعرب والعالم والفن والأدب والكتابة والتدريس الجامعي والأكاديميا العربية والشأن الأردني الراهن. وينصح المشتغلين في صناعة الدراما التلفزيونية بقراءة فصل "حياة مع الدراما" في الكتاب.
نيسان ـ

واحدةٌ من مرسلاتٍ غزيرةٍ في كتاب الدكتور وليد سيف 'الشاهد والمشهود.. سيرة ومراجعات فكرية' (الأهلية للنشر والتوزيع، عمّان، 2016) أن قيمة كتابة المذكرات والسيرة ترتقي بقدرة من يُبادر إليها على انتقاء الفردانيّ، ذي الدلالة الخاصة فيها، ووصله بإضاءاتٍ على العامّ والفضاء الثقافي الواسع، ولكن، بعلمٍ ورؤيةٍ يفيدان من التجربة الشخصية، ومن الجدارة الناضجة التي تؤهل صاحب السيرة لبث الأفكار والقناعات والآراء والاجتهادات والخلاصات، في غير مسألةٍ وشأن. لستَ في كتاب الشاعر (السابق؟) وكاتب الدراما والأستاذ الجامعي في 'اللسانيات والصوتيات'، وليد سيف، أمام بسط وقائع وحكاياتٍ ذاتية، وسردٍ عن تجربةٍ في الحياة والاشتباك الشخصي في غضونها، وكفى، وإنما أمام تناوبٍ شديد الرهافة والذكاء، وبإيقاعٍ شائق، من الجوانيّ إلى البرّانيّ، ومن الوجدانيّ إلى المحسوس، من الخاص إلى العامّ، من الضيّق إلى العريض. وفي هذا، وغيره، أنت أمام كتابٍ في القضية الفلسطينية، وعن العرب والعالم، وفي الفن والأدب والكتابة، وعن التدريس الجامعي والأكاديميا العربية، وفي الشأن الأردني الراهن وغير البعيد. وقبل ذلك وبعده، هو كتابٌ في عوالم وليد سيف، المثقف الفلسطيني والمفكّر، وأبرز كاتب دراما تاريخية عربية، وهذه صفةٌ يستحقها لرقيّ اللغة البالغ الذي حضر في أحد عشر مسلسلاً تلفزيونياً كتبها، فجاءت من أبدع ما شوهد على الشاشة الصغيرة. وهذه مناسبةٌ، هنا، لتوصية المشتغلين في الدراما التلفزيونية وصناعتها بقراءة فصل 'حياة مع الدراما' في الكتاب جيداً.

يطوف بك وليد سيف في منجزه الثقافي هذا في قضايا بلا عدد. يسأل، عند إحداها، عمّا إذا كان قد خسر قارئه في 'حديث النكد هذا عن جذور الانحطاط العربي والإسلامي، بينما هو يبحث عن الشخصيّ والذاتيّ فيما يُفترض أنه سيرةٌ ذاتية؟'، ويجيب 'ولكن، هل أنا إلا وعي الشقي بأسئلة التاريخ والواقع والهوية والآخر؟'. وكان قد أبلغ قارئه في المقدمة أن 'حياة الفرد، أي فرد، هي دراما إنسانيةٌ يتجلى فيها الشرط الإنساني والوجودي، بكل ما فيه من أفراح وأتراحٍ وأحلامٍ متحققة أو منكسرة...'. وهكذا، تقرأ عن الاستشراق الذاتي والعمل الفدائي الفلسطيني وإنشاء جامعة القدس المفتوحة وفهم أميركا والغرب، وعن التديّن الشخصي، عن الأزواج المستبدّين، وعن صورة الأم 'تتجرّد من كل أثرٍ للأنوثة وصخب الجمال وحيوية الشباب'. وفي الأثناء، تطالع صفحاتٍ عن قصة حب خائبة غير قصيرة، وبتفاصيل مسترسلةٍ، بين الطالب الذي كانه الكاتب وزميلةٍ له في أثناء دراسته الأدب العربي في الجامعة الأردنية، ويكتب عن انتهاء العلاقة 'خسرتُ حلماً جميلاً، ولكني لم أخسر مصنع الأحلام، نفسي'. ستقرأ عن خديعة زميله التلميذ في مدرسة لوكالة الغوث في طولكرم، عندما كتب باسمه قصة قصيرة وقصيدة في منافسةٍ للتلاميذ أبناء اللاجئين (ووليد سيف ليس منهم)، على أن يتقاسما الجائزة، وعند فوز القصيدة والقصة أخلّ هذا بالوعد، وراح يتبجّح أنه من كتبهما.
وقائعُ ومحطاتٌ في حياة مثقف فلسطيني، من أسرةٍ أقلّ من متوسطة، غادر بلده للتعلم، فتفوّق، وتميز، كتب 'قصائد في زمن الفتح' (1969)، في التاسعة عشرة من عمره، تطوّع للقتال في 'فتح' في تجربةٍ قصيرةٍ مثيرة (وكاشفة)، صاحب سيرةٍ ثمينةٍ في التدريس الجامعي، وهنا توصية لأهل تدريس الأدب واللغة العربية بأن يُطالعوا ما كتب وليد سيف في هذا الشأن، وهو الذي حوصر في التعيين معيداً، ثم ابتعث للدراسة العليا في لندن، ثم صار أستاذاً جامعياً، قبل أن توصي المخابرات بإبعاده عن قاعات الدرس، ثم يعود إليها بعد سنوات، قبل أن يستقيل، ثم يكتب مهمّاً ومفيداً جداً في تشخيص المسافة الواسعة الموجعة بين ما كانت عليه الجامعة الأردنية، من مستوى تعليمي وأكاديمي وثقافي وعلمي عالٍ وما صارت عليه بعض أحوالها.
مقصد الإيجاز الشديد (والمخلّ ربما؟)، هنا، عن 'الشاهد والمشهود..' (510 صفحات)، تنويهٌ إلى متعةٍ فكريةٍ وذهنيةٍ من قراءة وليد سيف، في صنيعه السردي هذا، فثمّة لغةٌ رفيعةٌ هنا، وحذاقةٌ وحرارةٌ، وكشفٌ واكتشاف. وهذه كتابةٌ أولى، ستعقبها ثانيةٌ، عن هذه السيرة والمراجعات الفكرية في غضونها.

نيسان ـ نشر في 2016-12-17 الساعة 05:08


رأي: معن البياري كاتب اردني مغترب

الكلمات الأكثر بحثاً