اتصل بنا
 

حبل الكذب الأبيض

نيسان ـ نشر في 2016-11-19 الساعة 19:35

يستخدمون الكذب الأبيض لتجنب الالتزام بوعودهم لأطفالهم في ظل تراجع دخل الأسر، ولكن هذه الكذبات قد تكلفهم غالياً فيما بعد، وتشمل قائمة الكذبات الأكثر شيوعاً التي يستخدمها الآباء والأمهات لخداع أطفالهم أو للتخلص من مأزق سؤال محرج أو للتنصل من واجب أبوي ثقيل الظل.
نيسان ـ

“سنعود بالتأكيد في الأسبوع المقبل وسنشتري لك هذه اللعبة”! تعد هذه الكلمات القليلة أشهر كذبة بيضاء على الإطلاق في تاريخ الأسر ذات الدخل المحدود. الكذب الأبيض على الأطفال هو محاولة يائسة للتنصل من الالتزام بوعد يتعذر تحقيقه، مع نزول الخط البياني لدخل الأسرة إلى مستويات واطئة قد تتجاوز بكثير خط الفقر الافتراضي في مجتمع ما، تذهب تسعة أعشار ثرواته إلى أنفاق مجهولة لتصب في جيوب لصوص ببزات رسمية وابتسامات شاحبة.

يلجأ الأهل عادة إلى استخدام بعض الكذبات البيضاء الصغيرة، أيضاً، للتخلص من إلحاح طفل مزعج أو لتهدئة مزاجه المتعكر في لحظة ما، قد يدفعون ثمنها غالياً فيما بعد. بعض هذه الكذبات مضحك وبعضها الآخر قاس، وأغلبها متوارثة عبر الأجيال مع ما علق بها من غبار قديم لا يمكن إزالته بسهولة، شأنه شأن التقاليد والعادات البالية التي ما زال البعض متمسكا بها مثل غريق يتمسك بحجر ثقيل!

وضع متخصصون، يبدو أنهم يعانون من أوقات فراغ طويلة ومملة، قائمة بمجموعة الأكاذيب البيضاء الأكثر شيوعاً التي يستخدمها الآباء والأمهات لخداع أطفالهم أو للتخلص من مأزق سؤال محرج أو للتنصل من واجب أبوي ثقيل الظل، وكانت أكثر الكذبات شيوعاً وخفة ظل تلك التي تقول فيها الأم لطفلها -مثلاً- بعد أن يطلب منها شراء لعبة أو تحقيق حلم داعب خياله ولا تستطيع الإيفاء بشروطه “حسناً.. سوف نرى”، وهذا يعني من وجهة نظر طفل محبط، مرادفا مزوقا لكلمة “لا”.

إحدى الكذبات اللطيفة كانت من اختراع أم حكيمة كانت تعاني من تعلق طفلتها بالعلكة، التي تضطرها أحياناً إلى قص خصلة كاملة من شعرها الجميل بعد أن تعلق به قطعة عنيدة من العلكة تصعب إزالتها. لهذا لجأت إلى حيلة الكذب الأبيض لتبعد الصغيرة عن الاهتمام بهذه العادة المزعجة، فكانت تقول لها “إذا ابتلعت هذه العلكة، فستبقى في معدتك سبع سنوات”!، أما الصغار الذين لا يرغبون في تناول الجزر -مثلهم مثل الكبار- فيتعرضون إلى كذب أبيض يعمل كإغراء صحي في الغالب؛ “إذا أكلت الجزر، فإنك حتماً سترى الأشياء في الظلام”!

المفارقة أن الآباء يبررون كذباتهم البيضاء على أطفالهم، بدعوى حمايتهم من الشعور بخيبة الأمل، وأحيانا ربما يبدو خيار الكذب فعالاً؛ فحين يشتري الطفل حيواناً أليفاً ويصاب هذا الحيوان فجأة بالمرض يعمد الأهل إلى إبعاد الحيوان عن ناظريه، لحمايته من مواجهة اللحظة الحاسمة؛ لحظة موت الحيوان، وهذا الإجراء يبدو مناسباً لتجنيبه صدمة التعرض إلى شعور الفقد والخسارة التي يسببها موت كائن عزيز على قلبه، فتكون الكذبة المناسبة في هذه الحالة إخبار الطفل بأن “الحيوان قد ذهب ليعيش في مزرعة كبيرة وجميلة حيث يمكنه الحصول على طعام جيد وأصدقاء كثر”.

لا يوجد لون محدد للكذب؛ فالكذب الأبيض شأنه شأن الكذب الأسود والرمادي، خيار مقيت سرعان ما يصبح مصدر إحباط وخيبة أمل للشخص الآخر، خاصة إذا اكتشف الصغار بعد مرور الوقت أن المعلومات التي وصلتهم من الكبار خاطئة أو غير دقيقة في أحسن الأحوال.

وما زالت قائمة الكذبات البيضاء تطول وتعرض، منذ ذلك الوقت الذي اضطر فيه أحد الكتاب المرموقين إلى الضحك على الصغار وإيهامهم بأن من يكذب ستنكشف كذبته في الحال لأن أنفه سيكبر ويفضحه. كبر الصغار كثيراً، وبعد أن مارسوا، بدورهم، جميع أنواع الكذب لم يتعرضوا لأي فضيحة، فأنوفهم بقيت على حالها وما زال حبل الكذب طويلاً.

نيسان ـ نشر في 2016-11-19 الساعة 19:35


رأي: نهى الصراف

الكلمات الأكثر بحثاً