اتصل بنا
 

عن إنسانية أوروبا... ووقاحتها

كاتب مصري

نيسان ـ نشر في 2015-09-19 الساعة 10:02

نيسان ـ

شكلت أزمة اللاجئين الذين تدفقوا على أوروبا، في الأسابيع القليلة الماضية، اختباراً حقيقياً لمنظومة القيم الحداثية التي تحكم القارة العجوز، منذ بدء عصر التنوير في القرن السابع عشر. كما أنها كشفت، في الوقت نفسه، أن بعض البلدان الأوروبية لا تزال تعيش بثقافة القرون الوسطى المظلمة، فما تفعله دولة مثل المجر مع المهاجرين، والذي سيظل نقطة سوداء وعاراً في السجّل التاريخي لهذه الدولة، يتجاوز مجرد الخوف من تدفق المهاجرين، وما يحمله من تبعات أمنية واقتصادية، وإنما يصل الأمر إلى حد الكراهية والرفض المبدئي للآخر. وقد رأينا ذلك في طريقة تعاطي السلطات المجرية مع اللاجئين، والتي تراوحت بين الرفض والاستهجان إلى سحل آلاف من اللاجئين والمهاجرين واعتقالهم. ناهيك عن التصريحات العنصرية الواضحة لرئيس وزراء المجر، والتي تراوحت بين احتقار المهاجرين وامتهانهم إلى التحريض الديني ضدهم، وذلك حين قال إنهم يهددون "مسيحية أوروبا"، وكأن أوروبا لا تزال تعيش فى عصر الحروب الصليبية! أما الأكثر أسفاً وأسى، فقد كان موقف الشعب المجري الذي تعامل مع أزمة اللاجئين والمهاجرين بطريقة متعجرفة ومتطرفة. وموقف "امرأة الكاميرا" المجرية التي أعاقت بقدمها سورياً كان يحمل طفله، ويجري مذعوراً من الشرطة المجرية، نموذج مصغّر لهذه الطريقة.

في الوقت نفسه، إذا قارنا موقف المجر، حكومة وشعباً، مع أزمة اللاجئين والمهاجرين بمواقف حكومات وشعوب دول أخرى، مثل ألمانيا والنمسا، لوجدنا أنفسنا أمام صورتين مغايرتين لأوروبا. إحداهما صورة همجية وقروسطية وأخرى متقدمة وإنسانية. فما فعله ألمان ونمساويون كثيرون من ضغط ومظاهرات ومطالبات بضرورة استيعاب اللاجئين كان بمثابة تعويض، ولو جزئي، لهؤلاء المهاجرين، عما لاقوه من معاناة وصعوبات في أثناء رحلة الخطر والمجهول التي عايشوها، حتى وصلوا إلى أوروبا. وقد اضطرت بلدان أخرى، مثل بريطانيا وأستراليا وفرنسا، تحت ضغط أحزابها وشعوبها، أن توافق على استقبال آلاف المهاجرين، وأن تمنحهم اللجوء السياسي. ولولا هذا الضغط، لربما رأينا استجابة شبيهة لتلك التي اتبعتها المجر.
كشفت أزمة اللاجئين أيضاً أن الأزمة في سورية باتت تشكل تهديداً حقيقياً للغرب ولمجتمعاته، وذلك بعدما فشلت البلدان الغربية، وخصوصاً الأوروبية، في وضع حد للمجازر والجرائم التي يباشرها نظام بشار الأسد ضد السوريين. ولعل هذا ما دفع النمسا، وهي المعروفة تاريخياً بحيادها وعدم تحزبها في سياساتها الخارجية، إلى حث المجتمع الدولي على ضرورة وقف الحرب فى سورية. وقد بات من المسلّم به أنه كلما استمرت هذه الأزمة استمر تدفق المهاجرين واللاجئين السوريين على أوروبا، وهو ما لن تتحمله مجتمعاتها كثيراً، فقد بدأت بالفعل المعارضات اليمينية فى الضغط من أجل وقف استقبال اللاجئين والمهاجرين في بلدانٍ، مثل ألمانيا.
ولعل المفارقة أن بعض البلدان الغربية لا تزال تصم آذانها عن هذه الحقيقة، فعلى سبيل المثال، دعا وزير الخارجية الإسباني، خوسيه جارسيا، إلى التفاوض مع بشار الأسد. وكأن شيئاً لم يتغير، وكأن جارسيا لا يرى حجم الأزمة التي نجمت عن بقاء الأسد فى السلطة! في الوقت نفسه، لا يوجد ضغط أوروبي جاد على روسيا، من أجل تعديل موقفها من الأسد. بل العكس، لم تتحرك هذه البلدان، بعد الأخبار المتواترة حول الدعم العسكري الروسي لنظام الأسد، فضلاً عما كشفت عنه الصحافة الغربية، أخيراً، بشأن بناء روسيا قاعدة عسكرية وإرسال جنود روس لدعم قوات الأسد. بكلمات أخرى، لم تتحرك أوروبا لوقف الدعم الروسي المتواصل للنظام السوري، على الرغم من إدراكها عواقب ذلك ونتائجه.
ومع استمرار تدفق المهاجرين إلى الشواطئ والحدود الأوروبية، سيظل الصراع بين القيم والمصالح أمراً مؤثراً في رسم المشهد الأوروبي للعقود المقبلة.

كلمتي

نيسان ـ نشر في 2015-09-19 الساعة 10:02

الكلمات الأكثر بحثاً