اتصل بنا
 

الخطوة التالية.. !!

كاتب صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-12-11 الساعة 18:10

نيسان ـ

يدرك الأردن أن وضعا صعبا ومعقدا برز جراء خطوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
ويدرك، أيضا، أنه إذا لم يكسر هذا القرار، ولم تلتزم واشنطن قرارات الشرعية الدولية، فإن تحولا جذريا، وسلبيا، سيطاول مسار القضية الفلسطينية، وسيكون له انعكاساته على الأردن والمنطقة.
الأردن الذي التقط الكامن في القرار الأميركي جاء رده بالرفض، مباشرا وواضحا، خلال اتصال ترمب بجلالة الملك ليبلغه قراره اعتبار القدس عاصمة لـ'إسرائيل'، وانه سينقل السفارة إليها، وهو رد يعكس تقييما سياسيا دقيقا، وفهما عميقا للخطوة الأميركية وتبعاتها.
وأي قراءة لا تخلص إلى أن خطوة أميركا ضربت مسار التسوية المعطل، والمختل أصلا، في العمق قراءة قاصرة، لأن القرار، ببساطة شديدة، يريد إعادة صياغة أساسات وقواعد عملية السلام المطروحة منذ أوسلو من جديد، ووفقا لرؤية أميركية وإسرائيلية، وليس وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
وعلى وقع قرار ترمب، لابد وأن تكون صعدت من جديد عند الأردن، الرسمي والشعبي، مفهوما 'الوطن البديل' و'الخيار الأردني'، اللذان لم يغادرا الذهنية الإسرائيلية، وخصوصا اليمين المتطرف، ولم يغادرا الذهنية الأميركية أيضا، لكنهما يتحينان الفرص لإنفاذ أي من هذين البديلين.
وقد تكون أميركا، وكذلك 'إسرائيل'، وجدتا الفرصة مواتية والبيئة مناسبة، الآن، لاختبار مدى صلابة الموقف العربي، شعبيا ورسميا، بخطوة القدس قبل الانتقال للخطوة التي تليها، والتي معناها تصفية القضية الفلسطينية وليس تسويتها.
وهي بيئة تشكلت في السنوات الأخيرة، وجعلت القضية الفلسطينية، في المرتبة الثالثة أو الرابعة، من حيث الأولوية، بعد إيران، والتنظيمات المتطرفة، وما سمي 'الربيع العربي'.
إيران على وجه التحديد استُخدِمت فزاعةً وذريعةً لتبرير تفاهمات تحتية حينا، وعلنية أحيانا، بين 'إسرائيل' ودول عربية ترى الخطر الإيراني أكبر من الخطر الإسرائيلي، أو هكذا تريد أميركا وإسرائيل ومن تتحالف معهما تصويره.
إن الحلف الناشىء بين دول 'عربية' و'إسرائيل'، أكان بسبب تسويات على السلطة داخل هذه الدول، أو لمجابهة توسع النفوذ الإيراني، قد مهد للقرار الأميركي، ويمكن أن نلمس ذلك صراحة من تقييم ردود فعل دول عربية على قرار ترمب لنكتشف بسهولة أين مكمن العلة.
كيف يمكن عكس هذا المسار وهذا المنزلق؟
بالتقييم الموضوعي، والتحليل المنطقي، فإن قرارا بحجم القرار الأميركي، وبحجم أثره وتداعياته، ومخاطره، لا يمكن للعالم العربي والإسلامي كسره بالمسيرات والتظاهرات والحراك السياسي فقط، على أهمية ذلك وضرورته.
فالذي يكسر القرار انتفاضة، بأقصى طاقتها، وشبكة حماية لها، رسمية وشعبية، عربية وإسلامية، ومن العالم الحر، والانتفاضة وحدها التي ترفع الكلفة على الأميركيين والإسرائيليين، وتدفعهما للتفكير مرة أخرى بقرار القدس.
والانتفاضة، لها مفاعيل أخرى، أيضا، فهي تبقي زخم الشارع العربي والإسلامي فاعلا، سياسيا وإعلاميا، وبما يمنع الرسمي من التراخي والتراجع أو الخضوع للضغوط، وتمنع دولا غربية من الانسياق خلف القرار الأميركي.
ذلك سيؤدي إلى أمر أساسي ومهم، وهو عزل الموقف الأميركي والإسرائيلي عالميا، وهو عزل تدعمه العلاقة غير الودية، بل والمتصادمة أحيانا كثيرة، بين أميركا ترمب والاتحاد الأوروبي الذي وجد بمسألة القدس فرصة لحشر ترمب ومضايقته.
مرة أخرى، الأردن بات رأس رمح في الاشتباك مع القرار الأميركي، وليس أدل على ذلك من المسرحية الهزلية التي أطلقتها المحكمة الجنائية الدولية، بقولها أنها ستحيل الأردن إلى مجلس الأمن الدولي بحجة استضافة الرئيس السوداني عمر البشير في اذار الماضي خلال انعقاد القمة العربية، وهي لا تعدو أن تكون محاولة بائسة لابتزاز المملكة، لن تؤتي أُكُلَها.
والأردن يحتاج، وهو يدوّر الزوايا ويعيد قراءة وبناء التحالفات، إلى شبكة حماية من العالمين العربي والإسلامي، وهذه الشبكة يوفرها حراك مستمر للشارع في هذين العالمين، وما يمكنهما أن يحركانه في الشارع الغربي، فضلا عن دور الشارع في عزل وتجميد المواقف السلبية التحتية للدول العربية التي تعمل بشكل مضاد ومعاكس.

نيسان ـ نشر في 2017-12-11 الساعة 18:10


رأي: راكان السعايدة كاتب صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً