اتصل بنا
 

حوار مع جنّي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-11-16 الساعة 19:52

نيسان ـ

بينما أمارس طقوس خُلوتي الأسبوعية المقدسة، خلوتي التي اسرقها كل أسبوع.. من العائلة، الأصدقاء، ومن ضوضاء العمل.. استكين فيها إلى روحي وحيداً متأملاً، في مكان تآلفت معه وتآلف معي، هذا المكان الذي لم يعرف إلا اللونان البني والأبيض الغامقان لجدرانه، تلك الجدران التي احتلتها لوحات فنية لا يشك الناظر إليها بأنها إحدى لوحات دافنشي أو فان جوخ، تغطيها اضاءةٌ خافتة، و أرضية اسمنتية، تفاعلتا معاً نحو أجمل مكان أخلو إليه. اتحسس كأسي بيدي، بينما أنا مبحر بين الزَهو و الانبساط، بكل لوحة من تلك اللوحات، ليقطع الصمت الخلاق فجأة 'عبارة شبيك لبيك.. عبدك بين ايديك' التي جعلتني التفت إلى مصدر هذا الصوت، لأجد جنيّاً يطل علي برأسه الذي توسطة الصلع، يلبس بدلة مقلمة سوداء، مغمورٌ جسده الأسف بكأسي!. ولأني لم انتوي أن أضيع فرصاً اكثر، ومن دون تفكير قلت ومن دون مقدمات.. كيف ولماذا انت هنا...؟! أغدق علي أموالاً كثيرة جمّة... فقال: أنت وأنا من نفس 'الطينة'، فلا تتعب نفسك بطلبات لن تتحقق، ولو كنت أستطيع تحقيقها، لما أتيتك بهذه البدلة المقلمة، و ازيدك من الشعر بيتاً، لن أجعل من الأردن الذي هو وطنك أقوى وأفضل من أمريكا!، أنا هنا باختصار لأسلّي ولأونس جلستك، وإذا لم ترغب بي ضيفاً عليك سوف أغرق بكأسك وأختفي للأبد..!. قلت: طالما أنني لا أذهب إلى منزلي كل يوم بقصص جديدة، كما يحصل مع أقراني، فأنت اليوم قصتي... فقال: حياك الله. فقلت له: طالما أنك لا تحقق الأحلام، ولا تُغني و لا تُفقر، أرجوك أجبني لماذا أنا هنا..؟! في بلد أخذ من عمري أكثر مما أخذ وطني، لماذا أنا هنا بعيدا عن رائحة التراب المبتل بأمطار تشرين الأول، لماذا أنا هنا بعيدا عن صوبة الفوجيكا، و كستناء الشتاء، والخبز المحمص عليها، و صحن اللبن الأبيض المتزين بزيت زيتوت 'الوطن' الذي نزل رحيقية قبل أيام، والحِرام 'الغطاء' النمر البني الذي لطالما تصارعت عليه ذكور عائلتنا...! لماذا أنا هنا ؟!. فقال: احب أن اطمئنك، صوبات الفوجيكا بوطنك موجودة ولكن بقلة؛ لأن كثيراً من أبناء وطنك استبدلوها بصوبات الحطب، فاهدروا الشجر ليتقوا به برد الشتاء، بعد أن أصبح جريكن الكاز و اسطوانة الغاز عصيّة عليهم، واللبن مازال موجودا والزيت يوجد الكثير منه، و أما بشأن حرام النمر فلا تقلق... أما لماذا أنت هنا فذلك أمر آخر.. قلت: اجبني لماذا أنا هنا؟ فقال: أنت هنا بسبب باسم ورباب وكتاب العربي، وبسبب كتاب الحساب، وبسبب كتاب الاجتماعيات و التاريخ، أنت هنا بسبب أستاذ الصف الأول والثاني والثالث، وبسبب أبوك وبسبب جدك.. فقلت: كيف قال: حيث ما خلق الحلم خلقت الحياة، وحيثما خُلقت مهارة البحث استمرت الحياة، ومناهجكم سَجنت الحلم، وقتلت البحث، حتى رباب ليست أردنية... فقل لي كم اردنية اسمها رباب؟!. فقلت: لا أعلم أي رباب أردنية. فقال: أنت هنا بسبب أزمة الحلال والحرام، فحرموا الحلال تارة وحللوه تارة أخرى، والمقدسات والمعتقدات بيعت على أبواب المساجد و الكنائس، والبائع إما مأجورٌ أو صاحب مال، وكلاهما له مصلحة بالبيع سواء كان مخيراً ام مسيراً.. وأكمل ... أنت خشيت ممارسة الإبداع و ابتعدت عن الغناء، والشعر لم تقرأه إلا سرا لأنه مجون، فقيدوك بالحلال والحرام... وأردف أنت هنا مجبراً ولست مخيراً، أنت هنا بسبب أزمة وطن !. فقلت: أنت تبالغ ولم أعد أفهم. فقال: أزمة تعني كثرة المشاكل وقلة الحلول، فإذا فسد الجذر فسد الأصل، لو كانت مناهجكم ليست تلقيناً، ومدرسيكم من المؤهلين، وكانت مدارسكم ليست كتاتيب لما كنت أنت الان هنا، لكنت الان بوطن، يعد فيه الباص السريع منشأة متخلفة، لكنت في وطن تعتبر فيه الحكومة الالكترونية موضة قديمة، لكنت في وطن تصان فيه الحريات الفردية من المواطنين قبل الدولة، لكنت في وطن يعد فيه التحرش فساد خلقي وليس شطارة، لكنت في وطن من يحمي زوجتك وابنتك وابنك ليس رجال الأمن وإنما أخلاق البشر. فقلت: اتعبتني... انصرف...انصرف فقال: أبقى هنا ... وإن عدت فكن خفيف الوجود زائرا لا مقيماً، فوطنك مازال بأزمة... ولكن لا تتوقف عن الحلم... وانصرف.. !!. #الانسان_المهدور

نيسان ـ نشر في 2017-11-16 الساعة 19:52


رأي: محمد ملكاوي

الكلمات الأكثر بحثاً