اتصل بنا
 

من كان بلا "إرهاب"...

نيسان ـ نشر في 2017-06-28 الساعة 13:15

الوحدة والاتحاد العربي: دروس التاريخ والواقع المرير.
نيسان ـ

يقول المثل الشعبي، وما أغنى مدونتنا العربية بأمثال يُطلق كثير منها على عواهنه، 'أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب'. هذا المثل يُتداول، بشكل واسع، في أحاديث الناس في ما بينهم، على الرغم من إطلاقيته وعدم تقييده بقيمة أخلاقية أو إنسانية، وعدم توضيحه أين هي حدود العصبية أو الاندماج التام بالكتلة الصماء، ليفسح مجالاً لعصبويةٍ تتخلق بلا حدود تقيدها.
لكن الواقع الحالي، والتاريخ، يكشف أننا شعوبٌ لم تعرف الوحدة بمعناها الصحيح، ولا الاتحاد حتى، على الرغم من غنى ديوان العرب بلائحةٍ ضخمةٍ من القيم الطنانة وحالات الفخر والاعتزاز بمنظومةٍ قيميةٍ، فرضتها طبيعة حياة في لحظة تاريخية ما. تبدّل التاريخ وبقيت اللحظة.
ويكشف التاريخ والواقع أيضًا أننا لم نعرف صلة الرحم والتراحم التي ألزمتنا بها لائحة القيم والنصوص المقدّسة، وأن الأخوّة وعلاقات الدم التي نفخر بها لم تكن سوى هباء تلعب بها الأهواء والمصالح والعصبيات المبنية على الطمع والاستئثار والحيازة والملكية والسلطة.
لم نستفد من دروس التاريخ، على الرغم من إشباعها تحليلاً وتمحيصًا ودراسة واستقراءات ونتائج، فكيف نتوقع أن نستفيد من دروس الراهن؟ أليست سورية مثالاً ساخنًا حارقًا متوهجًا تضيء نيرانه التي تأكل الأخضر واليابس كل الساحات، وتكشف ما لم يعد ممكنًا إخفاؤه في عصر الصورة فائقة الذكاء والإعلام فائق الدهاء؟
لا يريد العرب ولا المسلمون، باعتبارنا ننتمي إلى هذا الحوض الكبير من العروبة والإسلام، أن يفيدوا من الزلزال السوري، أو اليمني، أو الليبي، أو العراقي أو.. أو..، وأن يعرفوا أن الصراعات التي تدور فوق أراضينا صراعات مصالح وقوى وأنظمة عاتية في جبروتها، ابتداء من قمةٍ عاتيةٍ تديرها القوى العظمى هبوطًا حتى أنظمة إقليمية ثم محلية، تدفع الشعوب ثمنها، بينما يتبجح الجميع بالحرص على الشعوب وبصداقتها، الشعوب التي تبين أن أكثر ما يضمن حقها إبادتها أو تهجيرها أو حصارها حدّ المرض والجوع، بينما تبقى الأنظمة وتستمر، طالما هي بيدقٌ في لعبةٍ دوليةٍ لا تنتهي.
سبع سنوات من الزلزلة السورية، والعالم ضالع في مأساتنا، فقط لأننا جاهرنا بحلمنا المشروع، حلم أن يكون لنا وطن لنا حق فيه مثلما له حق علينا، وطن نعيش فيه كما يليق بإنسانٍ أن
'المطلوب تغيير السياسات، وليس منابر الإعلام، فالإعلام أدواتٌ ووسائل. عندما تتغير السياسات يتغير خطابها' يعيش، قلنا نريد حرية كرامة عدالة اجتماعية. نريد دولة قانون ومؤسسات، نريد وطنًا يجمعنا، ويتسع لنا، بكل تعدّدنا واختلافنا، فانهالت علينا الوصايا، واستباحت أرضنا وحياتنا الوصايات، لم تبقَ جهة لها مطمع، أو أخرى تطمح بأن تكون أداةً في يد قوة كبرى، إلاّ واستثمرت بدمائنا رافعةً يافطة نصرة الشعب السوري وصداقته. وفي الواقع، كان الشعب السوري مسرح الجريمة والتقتيل في الوقت نفسه. باعتنا الأنظمة، ودفعت شعبنا إلى مساراتٍ قسرية، التهجير والموت في تقاطع النيران وساحات الحرب، والحياة الذليلة كلاجئين منبوذين معروضين في بازارات السمسرة والمساومة، تتسوّل بعض الدول التي علمتنا سنوات حكم 'البعث' أننا ننتمي إليها وتنتمي إلينا، انطلاقًا من قوميتنا العربية، ما يدعم اقتصادها المرتبط بحجة تغطية احتياجات اللاجئين السوريين.
شكلت دول عربية تحالفًا من أجل صداقة الشعب السوري، وفي الوقت نفسه منعت السوري من الدخول إليها، حتى لو من أجل معرض كتاب. ولم تبخل دولة جارة أو بعيدة، قريبة أو غريبة، في دعم الفصائل المقاتلة التي راحت تتكاثر كالفطر في حرب عبثيةٍ، لم تحقق غير الكارثة لوطننا. وساهمت تلك الدول في فبركة كيانات سياسية هزيلة عاجزة عن أي مبادرة، شلّت الحراك السياسي في أزمتنا، وعوّمت الحرب والسلاح وسيلة وحيدة تدعي امتلاك مفاتيح الحل لها.
لم يقصّر الإعلام، بل كان قائدًا محترفًا بارعًا في تشكيل وعي عام، قائم على أساس التفرقة والفتنة، وكل ما يعزّز الشرخ في حياتنا، ويزيد نار الحرب اشتعالاً. كان الكل متورطًا، والكل سخر إعلامه لخدمة مشروع تفتيت المنطقة. وكان كل الإعلام موجهًا ومرتبطًا وحاملاً أجندات الأنظمة السياسية الضالعة في خرابنا.
وعلى الرغم من أن اللعب بات على المكشوف، والدلائل متوفرة في عصر المعلومات والثورة الرقمية والفضاءات المفتوحة، إلاّ أن العقل العربي بقي عاطلاً وخارج الخدمة، في أحسن حالاته. وفي الأسوأ، أن بعض العقول أشاحت وجهها عن كل الدلائل والمؤشرات، وارتضى أصحابها، وبعضهم من النخبة التي يفترض بها حمل الأمانة تجاه الشعب، أن يكونوا أدواتٍ تظهر على المنابر لتسويق السياسات وإشهارها، مستقطبين من الأنظمة السياسية.
وها هي الصورة تتكرّر في مشكلة تشغل الساحة العربية اليوم، مشكلة الخليج وقطر. والتهمة كما كل مرة: الإرهاب. بينما أميركا، وهي في زمن ترامب كما غيره لا فرق، تقول على لسان البيت الأبيض إنها لن تتدخل في الحوار بين أطراف الأزمة الخليجية ما لم يُطلب منها ذلك. والأزمة الخليجية شأن عائلي، وعلى أطرافها أن تحلها فيما بينها. وأما وزارة خارجيتها فأعلنت أنها تشجع أطراف الأزمة الخليجية على ضبط النفس. هذا هو خطاب أميركا المفارق لسياساتها في أحسن حالاته.
أميركا التي لم يغادر رئيسها المثير للريبة والحذر أراضي المملكة السعودية إلا بعد أن كان
'العقل العربي بقي عاطلاً وخارج الخدمة، في أحسن حالاته' قبض المعلوم، وأشعل فتيل الخلاف خلفه، منتظرًا لحظة الانقضاض لجمع إتاوة جديدة. أميركا هذه أول من ابتدع ما سُمي 'الإرهاب الإسلامي' وعوّمته، فصار الإرهاب فزاعة الشعوب، ومدرسةً لها فروعها الصغيرة في كل البلدان، تضخمها الأنظمة المستبدة، عندما تستشعر خطر انتفاضة شعبية، أو تشم رائحة تمرّد عند جموع بشرية حولتها قطعاناً، وتنقض سياسة أنظمة أخرى لدعم طرفٍ ضد غيره، والتدخل في شؤون دولةٍ، وتحاضر في الديموقراطيات وحق الشعوب، بينما تكون في بلدانها تحكم بطغيان وتقييد حريات، وكل ما يناقض طموح شعوبها. هذه هي أميركا وفوضاها 'الخلاقة'.
من لم يدعم الإرهاب ويموله ويسقيه ويكبره في منطقتنا المصابة باللعنة فليرمها بحجر. وعلى من بقي لديه ساحة وعي مضيئة، وبصيرة نزيهة، من نخب شعوبنا ومجتمعاتنا، واجب أخلاقي إنساني، إنارة العقول وتسليط الأضواء الكاشفة على الواقع، ورفع الصوت عاليًا أن من حق الشعوب أن تعيش، ولا يحق لدولةٍ أو نظام فرض الحصار على شعب، وحرمانه من مقومات الحياة، لأن النظام المعني لا يعجبه، وأن مصالحه تضاربت مع مصالحه.
من حق الشعوب أن تعرف أن الأنظمة ليست صديقتها، بل الشعوب هي التي تعقد الصداقات، وهي التي يجب أن تتلاقى مصالحها، وتعمل مع بعضها بعضاً لخدمة الإنسانية، والأنظمة في الدول التي تشبهنا هي الأكثر عداءً مع شعوبها، والكلمة الحرة من حق الشعوب. والمطلوب تغيير السياسات، وليس منابر الإعلام، فالإعلام أدواتٌ ووسائل. عندما تتغير السياسات يتغير خطابها. ومن حق الضمير علينا أن نعيد النظر في أمثالنا الشعبية، ومدونات ثقافتنا وأعرافنا وقيمنا، ومنها هذا المثل: أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب.

نيسان ـ نشر في 2017-06-28 الساعة 13:15


رأي: سوسن جميل حسن

الكلمات الأكثر بحثاً