بعد نجاح حركة 8 آذار بوقت قليل، جرت الانتخابات الحزبية في سورية، وانتخب على أثرها قيادة قطرية للحزب، مرتبطة رسمياً بالقيادة القومية، وكانت تتألف من خمسة أعضاء مدنيين: (حموديالشوفي- أمين سر القيادة القطرية - ومحمود نوفل وخالد الحكيم ومحمد بصل ونور الدين الأتاسي، إضافة إلى أربعة أعضاء عسكريين: حافظ الأسد ومحمد رباح الطويل وحمد عبيد وأحمد أبو صالح). وهذه القيادة ممثلة في المجلس الوطني لقيادة الثورة بشخص واحد هو أمين سر قيادة القطر حموديالشوفي. وهذه هي المرة الأولى التي يحتل فيها الضباط البعثيون مراكز قيادية في الحزب.
ومع وقوع القطيعة بين حكم البعث في دمشق ونظام عبد الناصر، عادت ودخلت إلى الحزب أعداد كبيرة من أعضاء وكادرات التيار البعثي السابق لرياض المالكي أو حتى لأكرم الحوراني. ويوصف هؤلاء بالقطريين ويحملون لواء خط متطرف ومعاد لعبد الناصر.
لقد تبنى بعض أعضاء القيادة القطرية الجديدة، وفي مقدمتهم حموديالشوفي اتجاهاً سياسياً يسارياً أو متطرفاً. وأخذوا يظهرون معارضتهم لبعض القادة البعثيين وفي مقدمتهم عفلقوالبيطار.. ويرفضون سلطتهم الأبوية عليهم. كما أقاموا علاقات وثيقة الصلة بالتيار البعثي اليساري في العراق، الذي يقوده علي صالح السعدي. ومن جهة ثانية، أخذوا يتقربون في نفس الوقت من بعض أعضاء اللجنة العسكرية الذين عرفوا بمواقفهم السياسية المتطرفة.
اللجنة العسكرية
كان معظم أعضاء اللجنة العسكرية ليسوا مع القيادة القومية، ولا مع القيادة القطرية. وهذا يعني في الحقيقة بأنهم لم يكونوا لا من اليمين ولا من اليسار. وهم في الواقع ليسوا سوى عسكريين، وما يسعون إليه ويبحثون عنه هو السلطة، أولاً في الجيش ومن ثم في الدولة والحزب. فكل الوسائل جيدة لديهم إذا كانت توصل إلى الهدف. وتكتيكهم يتلخص في إبعاد خصومهم وحلفاء الطريق مجموعة بعد أخرى، وعدم الدخول في معارك على جبهات متعددة في نفس الوقت. حتى يبقوا ويستمروا (سادة الموقف)، فقد حددوا هدفهم منذ البداية بصورة واضحة: أبغض الناس إليهم والذي يجب إسقاطه، كان وسيبقى جمال عبد الناصر. وعليه فإن أعضاء اللجنة العسكرية في الحقيقة هم حجر عثرة في طريق كل تقارب بين البعث السوري وعبد الناصر. واعتبروا أن كل وحدة مع مصر الناصرية هي طعنة توجه لمبادئ الحزب الوحدوية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق أيضاً إلى أن أي عضو من أعضاء اللجنة العسكرية لم يشترك في المباحثات الثلاثية المصرية-السورية-العراقية في القاهرة. بل اقتصر عملهم في هذه الناحية على إرسال عسكريين غير بعثيين أمثال: اللواء لؤي الأتاسي واللواء زياد الحريري واللواء فهد الشاعر. أما فيما يخصهم هم، فإنهم حذرون إلى ابعد حدود الحذر، فقد بقوا قابعين في دمشق، يراقبون أو يقمعون أية حركة معارضة.. عسكرية كانت أو شعبية.
وهم في حربهم لعبد الناصر، قد استعملوا نفس أسلوبه وتكتيكه. وفي هذا المجال فإنهم كانوا تلامذته الأذكياء. فهم يدركون تمام الإدراك أن من يملك الجيش، يملك في نفس الوقت القوة والسلطة.
منذ نجاح حركة 8 آذار وخلال خمسة أشهر، نجح البعثيون في تصفية وإبعاد خطر كل السياسيين، المدنيين والعسكريين الذين كانت توجه إليهم تهمة الانفصال.. ومن ثم الناصريين.. وأخيراً حلفاؤهم من الضباط المستقلين: لؤي الأتاسي وزياد الحريري.
على أثر اندلاع الصراع مع القوى الناصرية وانسحاب ممثليهم في شهر أيار من الحكم، أخذ زياد الحريري يدافع عن الرأي الذي يقول بأن العهد الجديد يجب أن يمد يده إلى زعيم حماة أكرم الحوراني.. أو على الأقل إلى أنصاره ومؤيديه للاستفادة من القاعدة الشعبية التي تحيط بالحوراني، خاصة بين فئات الفلاحين. ويظهر أن الحريري كان يُشجع في هذا الاتجاه من قبل اللواء أمين الحافظ وزير الداخلية، فقد كان معروفاً لدى الجميع بتعاطفه مع أكرم الحوراني.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحريري، كان يبدي معارضته لأية فكرة وحدوية، خاصة عسكرية مع حكم البعث العراقي. وهكذا جُرّد حليف الأمس - بعد أن صار بالنسبة للبعث السوري مزعجاً - من جميع مسؤولياته وابعد عن الحكم في شهر تموز 1964م في أثناء رحلته إلى الجزائر، أيضاً صفي أنصاره في الجيش.
أما اللواء لؤي الأتاسي، فقد اعترض على تنفيذ أحكام الإعدام الكيفية وعمليات القمع الدموية الواسعة التي استهدفت الناصريين. وعليه فقد أقيل من منصبه كقائد للجيش وكرئيس للمجلس الوطني لقيادة الثورة. وحلَّ محلّه اللواء أمين الحافظ، الرجل القوي آنذاك - كما صوره أعضاء اللجنة العسكرية - ليلعب دوراً مرسوماً له بدقة وإتقان سواءً أعرف أم لم يعرف.
يتبع
2017-06-22 | آذار وبحار الدم..توجهات الحزب الاشتراكية
2017-06-13 | الحلقة العاشرة..هل كان البعث جاداً في عقد وحدة مع القاهرة ؟؟
2017-06-05 | الإسلام في أفريقيا..الدولة الأغلبية تتبنى الفكر المعتزلي
2017-05-31 | رجالات سورية النائب والوزير محمد العايش
2017-05-30 | (الحلقة التاسعة): آذار وبحار الدم ..المذبحة المبيتة
2017-05-22 | كيف أنقذ الهجوم الكيماوي في خان شيخون الحرس الثوري الإيراني؟
2017-05-14 | الحلقة الثامنة: آذار وبحار الدمال.. سورية على صفيح ساخن
2017-05-11 | تل رفعت (آرفاد) المملكة التاريخية
2017-05-10 | الإسلام في أفريقيا..الحلقة (32)
2017-05-07 | رجالات سورية..زكي الأرسوزي المفكر القومي وفيلسوف البعث
2017-05-01 | آذار وبحار الدم..الحلقة السابعة
2017-04-25 | لطفي الحفار..رجالات سورية السياسيين وأحد مؤسسي الكتلة الوطنية
2017-04-23 | آذار وبحار الدم..الحلقة السادسة
2017-04-17 | استفتاء الأحد نصر كبير لتركيا وشعبها العظيم
2017-04-16 | طز في العالم كله!!
2017-04-09 | الثورة الفاضحة والكاشفة
2016-06-02 | تحالف قوى الشر لم يعد لغزا
2016-05-09 | شر البلية ما يضحك
2016-04-29 | هل ستكون ثورة أطفال سورية سبباً في تدمير إيران؟
2016-04-14 | لماذا يستهدفون أولادنا ؟!
2016-03-31 | مسرحية الأسد في تدمر
2016-03-23 | الجعفري يقيم للأسد مقاماً يتفوق قدسية على مقامات آل البيت
2016-03-20 | أوسمة العار والشنار .. للمشاركين في (مناورات) الدم لبوتين
2016-03-06 | الأسد يمنح العفو وبوتين يبشرنا بالفيدرالية
2016-02-29 | خامنئي يقود حملة التكفيريين في سورية
2016-02-20 | بوتين واحلام اليقظة!!
2016-02-18 | بوتين: لا يوجد شيء اسمه دولة سورية.. خامنئي: سورية محافظة إيرانية
2016-02-05 | لن يقتل بوتين حلمي
2016-01-23 | الخطر الإيراني يريد منا وقفة مضرية
2016-01-10 | المحامي والأكاديمي والسياسي محسن البرازي
2015-12-29 | وجه الشبه بين نيرون روما ونيرون روسيا
2015-11-28 | لن يكسر أبرهة الروسي بأفياله الطائرة إرادتنا
2015-11-13 | عندما ينازع (نصر اللات) الله في قدرته وعظمته!!
2015-11-06 | خطر الإرهاب في سورية - الفزاعة التي اختبأ وراءها بوتين
2015-11-02 | عقبة بن نافع يقود حملة لفتح غرب أفريقيا
2015-10-29 | هناك خفايا وحقائق ولعبة تُحاك
2015-10-28 | أول رئيس وزراء في سورية علي رضا الركابي
2015-10-22 | الإسلام في أفريقيا (2) .. فتح أفريقية وبناء القيروان
2015-10-18 | السياسي الوطني وأحد أعمدة الكتلة الوطنية .. (الشيشكلي)
2015-10-14 | الإسلام في أفريقيا
2015-10-11 | شبابنا المُغرر بهم .. داعش ليست ثوب الإسلام فانزعوه
2015-10-08 | السياسي السوري الدكتور عبد الرحمن شهبندر
2015-10-04 | إنها حرب قذرة وليست حرب مقدسة
2015-09-27 | الكرة في ملعب الثوار
2015-09-20 | الرئيس الأول للدولة السورية .. صبحي بركات
2015-09-15 | روسيا تريد إحياء معاهدة بطرسبورغ
2015-09-10 | بوتين هو شريك في سفك دماء السوريين
2015-09-07 | أول رئيس للجمهورية السورية محمد علي العابد
2015-09-04 | خطة دي ميستورا مرفوضة جملة وتفصيلا
2015-08-29 | الخوارج تاريخ وعقيدة
2015-08-25 | سنابك خيل المجوس تستبيح عاصمة الأمويين
2015-08-20 | المفكر الإسلامي الكبير الشيخ محمد رشيد رضا
2015-08-16 | هل هناك مؤسسات في سورية لا يريد المجتمع الدولي أن تسقط؟
2015-08-11 | الحرب الباردة بين محوري الشر أمريكا وروسيا وصلت إلى نهايتها
2015-08-06 | القائد المجاهد المتوكل على الله إبراهيم هنانو
2015-07-24 | هل تُجر تركيا إلى أتون المستنقع السوري
2015-07-18 | المجاهد الكبير الشيخ عز الدين القسام
2015-07-13 | بصراحة.. هل يفعلها الجيش المصري؟
2015-07-09 | بصراحة ردة فعل تونسية ساذجة
2015-07-07 | عالم الديار الشامية الشيخ بدر الدين الحسني