اتصل بنا
 

الردع المصري في العمق الليبي.. كلمة حق ولكن

صحافي أردني

نيسان ـ نشر في 2017-05-28 الساعة 15:18

مجلس الرئاسة الليبي يدين الغارات الجوية المصرية على درنة ويتهم مصر بخرق السيادة الليبية، في حين يشير المقال إلى أن التناحر الليبي هو الأكثر خطورة وأن الهجوم الدموي على القبط في مصر يستحق الإدانة أكثر من خدش السيادة الجوية.
نيسان ـ

عَبّرَ ما يسمى 'مجلس الرئاسة الليبي' عن شجبه وإدانته الشديدتين للغارات الجوية التي نفذتها طائرات مقاتلة يرجح أنها مصرية، أو مصرية وإماراتية، على معسكرات تدريب تأوي إرهابيين وتكفيريين في 'درنة'، تتهمهم القاهرة بالتسلل إلى عمق الأراضي المصرية وتنفيذ عمليات تخل بأمن وسيادة الدولة المصرية وسلمها الأهلي.
ربما يصح القول إنه، ليس من حق مصر التصرف على قاعدة 'الكاوبوي' الأميركي الذي لا يعترف بحرمة أجواء الدول ولا بالآثار الجانبية المدمرة للغارات التي تمس سلامة وأمن المدنيين العزل. لكن أيضاً ليس من حق ما يسمى 'مجلس الرئاسة' إدانة الغارات المصرية، أو أن يرى فيها خدشاً لـ 'السيادة الليبية' المفترضة، بينما هذا المجلس لا يملك سلطة أو سيادة خارج الباب الذي يغلقه أعضاؤه على أنفسهم تحت حراسة ميليشيات لا تفهم شيئاً في بنيوية الدولة ونظامها السياسي والقانوني والتزاماتها الإقليمية والدولية.
إن خدش سرب أو تشكيل جوي مصري للسيادة المفترضة للأجواء الليبية، أمر مرفوض، لكن المرفوض أكثر، هو حالة التشرذم والتناحر بين القوى الليبية التي تكرس بتناحرها الدموي منذ سنوات ست لحقيقة تقسيم ليبيا وتفتيتها، لتصبح دولتين أو ثلاث أو أربع دول. والأشد حرمة وتجريماً ورفضاً، هو أن يصبح خدش السيادة الجوية الليبية مثيراً للقلق والشجب والإدانة، أكثر من سفك دماء مواطنين مصريين من أتباع الكنيسة القبطية، لم تجف دماءهم التي أريقت الجمعة الماضية، عشية رمضان المبارك، وهم في طريقهم لزيارة دير للتنسك والتعبد، فقتل منهم 29 وجرح 23 آخرين في هجوم دموي بشع لم يرحم طفلاً أو امرأة أو شاباً أو رجلاً مسناً!.
لقد رأينا مفاعيل وآثار مثل هذه الجرائم الكريهة التي تحركها مشاعر الشحن الطائفي والكراهية العقائدية والتغذية المذهبية البغيضة في العراق وسورية واليمن وليبيا وفي وقت سابق في الجزائر، ونحن لا نحتاج إلى مثال آخر جديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى نفهم الدرس.
وربما لأننا من صميم قلوبنا لا نرجو أن نكون شهود عيان على اللحظة التي يتم فيها تقسيم مصر، عبر تغذية الشحن الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، وصولاً إلى لحظة يصبح فيها الصدام الدموي نتيجة حتمية لا مفر منها، كرديف لصراع السنة والشيعة في المشرق، الذي نجحت الآلة الإعلامية الخليجية بتغذيته عبر فتاوى وهابية إقصائية، فإننا وتوخياً لهذه اللحظة المخيفة، نشد على أيدي القيادة المصرية ونتعاطف معها، ونؤيدها في ضرب ودك معاقل الإرهابيين والتكفيريين، لكن ليس على طريقة 'الكاوبوي' الأميركي.
إن ليبيا على 'مرمى عصاً' من القاهرة، ومهما كان خلاف القيادة المصرية مع بعض القوى السياسية في بعض المناطق الليبية، فإنها مطالبة وقبل التنسيق مع واشنطن ولندن وباريس وموسكو والأمم المتحدة، أن تنسق مع الأطراف الليبية بشكل واضح لا يحتمل اللبس، ليس عبر وسائل الإعلام، بأن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الجماعات الإرهابية التي تتخذ من ليبيا مقراً لإنشاء معسكرات لتدريب الإرهابيين وإرسالهم إلى مصر، خاصة وأن البعض يتوجس من ظله ويتلمس أطرافه، أو يضع يده على قلبه، خشية أن تندرج الخطوة المصرية في إطار مخطط إقليمي أكبر من مجرد الانتقام لدماء زكية، ومطاردة إرهابيين، فمخططات الشرق الأوسط الجديد، لم تعد مجرد نكتة سمجة يكتفي البعض بالاستهزاء منها كما جرت عليه العادة منذ ستة أعوام!
ربما يقول قائل: إن التنسيق مع أطراف ليبية لا ترتبط مع القاهرة بعلاقات طيبة، سيسمح بتسريب التدابير والإجراءات المصرية الرادعة بحق الإرهابيين، وسيفقد أي خطوات مصرية عنصري المفاجأة والمباغتة اللذين دونهما لن تتحقق النتائج المرجوة من دك مقرات التكفيريين والإرهابيين.
هذا صحيح، لكن لا أحد يطالب مصر بأن تبلغ أي طرف ليبي بخططها العسكرية، لكن المطلوب هو أن يتم ملاحقة الجانب المصري للإرهابيين في العمق الليبي وفق تفاهم ثنائي لا يشعر القوى السياسية في ليبيا مهما كانت هزيلة ومتصارعة وأنانية، بأن الهجمات المصرية لا يقصد منها إضعاف هذه القوى أو تهميشها أو فرض إرادة خارجية عليها وعلى عموم الشعب الليبي. فمصر ليست بحاجة إلى أعداء جدد!
أما أعضاء ما يسمى 'المجلس الرئاسي' فربما يصح تذكيرهم بأن السيادة تعني وجود سلطة مركزية، تملك الشرعية والقدرة على ضبط الأمن على امتداد التراب الوطني للدولة. وربما يصح التذكير أيضاً وبكل أسف، أن هذا أمر لا يتوفر للمجلس الرئاسي، الذي يتناحر على السلطة مع قوات الجنرال خليفة حفتر، وهو ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى ليبيين يفوق أعدادهم أضعاف ما تسبب به العدوان 'الأميركي – الأطلسي' على نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، رحمه الله.
ربما يصح التذكير أيضاً، بأن الصراع الليبي البيني، أكثر خطراً على الشعب الليبي وثرواته السيادية البحرية والمعدنية وحقول الطاقة والنفط والغاز، من أية آثار جانبية لغارات مصرية تستهدف واحاتاً صحراوية معزولة يتخذها إرهابيون وتكفيريون مقراتاً للتدريب والتوسع والانتشار، بينما الغواصات وحاملات الطائرات الأطلسية تفرض وصاية مطلقة على حقول النفط الليبية، وتقرر متى يتم السماح بتشغيلها والتصدير منها، أو غلق الموانئ وعدم السماح بدخول أو خروج أي سفينة شحن أو حاملة نفط منها وإليها!
من حق مصر أن تدافع عن نفسها أرضاً وشعباً وسيادة، ومن حقها أن تلاحق من يهاجمون المواطنين المدنيين الأبرياء بصرف النظر عن ديانتهم أو طائفتهم أو مذاهبهم. ومن حقها كذلك أن تدافع عن أرواح ضباطها وجنودها الذين يقضون غدراً بين وقت وآخر من قبل جماعات إرهابية متعطشة لسفك الدماء، تتسلل من العمق الليبي. لكن، ليس من حق مصر أن تزعزع وحدة وسلامة الأراضي الليبية، أو أن تتخذ خطوات أحادية الجانب تسهم في تكريس مخطط تقسيم ليبيا.
من حق مصر أن يكون لها موقف مبدئي حازم وثابت ضد الإرهاب وضد التكفيريين وضد المسلحين في الجوار الليبي، لكن على مصر أن تراجع حساباتها أيضاً وهي تشارك في عدوان صريح وغير مبرر بحق الشعب العربي اليمني الشقيق، تحت ضغط الإمارات والسعودية. فنحن لا نعرف إن كانت مصر تنتقم لدماء أبناء شعبها شهداء الكنيسة القبطية، أم أنها تسدد ثمن طائرات الرافال الفرنسية التي تم شراؤها لمصر بتمويل سعودي إماراتي! وهل يعقل أن يكون ثمن هذه الطائرات هو دماء الأقباط المصريين ودماء المدنيين في ليبيا ودماء الأطفال والنساء والشيوخ في اليمن؟
نعم، من حق مصر الدفاع عن سيادتها وأمن حدودها، لكن الازدواجية التي يمارسها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، تجعل من الغارات المصرية في ليبيا، مدعاة لهستيريا من الضحك. فسيادة مصر انتهكت عشرات المرات بتنازل نظام السيسي عن جزيرتي 'تيران' و'صنافير' للسعودية، خدمة لأمن الملاحة المائية الإسرائيلية! وسيادة مصر انتهكت عشرات المرات بوضع نظام الرئيس السيسي جاهزية القوة البحرية المصرية بكاملها تحت تصرف العدوان السعودي على مياه وموانئ الشعب العربي اليمني الشقيق، الذي يعاني من الحصار الخانق والتجويع والحرمان من الغذاء والدواء!
إن خروج مصر من ازدواجية التساهل في قضايا السيادة سعودياً والغضب الشديد في السيادة ليبياً، يستوجب مطالبة نظام الرئيس السيسي، فك عرى الحلف غير المقدس مع النظام السعودي، فالتنازل عن جزء كبير جداً من السيادة، باقتطاع أراضٍ مصرية لاسترضاء آل سعود، وكأن الأمر لا يعدو إهداء الملك السعودي قلادة أو وساماً مصرياً، بينما صب براكين الغضب والجحيم على رؤوس الليبيين بحجة معاقبة فصيل إرهابي تسلل للأراضي المصرية من 'درنة'، يظل أمراً عصياً على الفهم، وهكذا ممارسة سياسية مزدوجة المعايير تضع نظام السيسي في موقف أخلاقي حرج، يصعب تبريره!

نيسان ـ نشر في 2017-05-28 الساعة 15:18


رأي: سعد الفاعور صحافي أردني

الكلمات الأكثر بحثاً