اتصل بنا
 

"عقيدة الملك" 2

نيسان ـ نشر في 2017-02-23

نيسان ـ

صدر في دولة الاحتلال الإسرائيلية، أخيراً، الجزء الثاني من كتاب 'توراة (عقيدة) الملك'، للحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسف أليتسور. وسبق أن توقف صاحب هذه السطور عند الجزء الأول منه الذي ظهر عام 2009 ('تقاسم وظيفي'، العربي الجديد 28/12/2016).
وبينما ضم الجزء الأول شرائع يهودية تستند إلى كتاب التوراة حول 'شرعية' قتل 'الأغيار' (غير اليهود)، ولا سيما خلال الحرب، سواء أكانوا من الرجال أو النساء أو الأطفال أو المسنين (تزامن نشره مع بدء مسلسل الحروب على قطاع غزة)، فإن الجزء الثاني يضم شرائع يهودية من التوراة تتعلق بـ'قوانين الأحوال العامة والملكوت'.
وللعلم، رفضت النيابة العامة في دولة الاحتلال، في حينه، إجراء محاكمة جنائية لمؤلفي الجزء الأول، بحجة 'صعوبة إثبات أن هدف مضمون الكتاب التحريض على العنصرية، وفقًا لما يمليه القانون'، وأنه لا يجوز تجاهل 'حقيقة أن الحديث يدور حول اقتباسات وبحث في مراجع الشريعة اليهودية في سياق تفسير هذه الشريعة'.
وعلى ما يبدو، كانت هذه الحجّة مصدر إبهاظ للمؤلفين، كما يُستشفّ من تصريحاتٍ أدلى بها الحاخام شابيرا لدى إطلاق الجزء الثاني أخيرا، وركّز فيها على أن الغاية من هذا 'المشروع' لا تنحصر في تفسير الشرائع وحسب، وإنما أساسًا في التدليل على التطابقات بين تلك الشرائع والواقع الراهن.
وبرسم هذا، يشدّد الجزء الثاني على أنه في نطاق 'ملكوت إسرائيل' لا يحظى غير اليهود بمثل الحقوق التي يتمتع بها اليهود. وبغية مدّ خط تطابقي مع الواقع الحالي، يوجّه الكتاب انتقادات حادّة إلى نظام الحكم القائم في دولة الاحتلال الذي يمنح غير اليهود حقّ التصويت في الانتخابات العامة، ويلفت إلى أن مثل هذا الإجراء يشكل مخالفةً لشرائع التوراة.
ولم يكن هذا الخطّ مفتقدًا في الجزء الأول، إذ أكّدت مقدمته التي كتبها أحد الحاخامين 'المرجعيين' (يتسحاق غينزبورغ) أن المسائل الشتيتة التي يتطرّق إليها هذا الجزء 'ترتبط على نحو وثيق بالوضع في أرض إسرائيل، التي علينا أن نسترجعها من أعدائنا'. وأكد أن الكتاب يأتي لتسريع هذا الاسترجاع، فضلًا عن 'تعزيز معنويّات شعب إسرائيل وجنوده، وتبيان رأي العقيدة والشرائع اليهوديّة بعمق وشموليّة، إزاء القضايا المهمة المتعلقة بهذا الأمر'.
بديهي أن التدليل على مثل ذلك التطابق يتسق مع عملية غسيل دماغ مُمنهجة، جرت وما تزال تجري في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، وتهدف، بحسب أبحاث عديدة، إلى تكريس 'مركزية اليهود' من خلال منحهم سلفًا حقوقًا بالغة، والتعامل مع الآخرين بأنهم منحطّون. أمّا الوسيلة فهي تحصين موقف واضح بين التلامذة بأن اليهود 'شعب الله المختار'، وأن فلسطين هي 'أرض إسرائيل' ومُنحت لهم 'أرضاً موعودة'، وأن التوراة مُقدّسة، وأن الله واحد وهو لهم فقط ويعمل لمصلحتهم. ومن هنا، كما يؤكد أحد كبار الباحثين التربويين، حالما تصبح هذه الأمور بمنزلة حقيقة ثابتة يوجد إجماع علماني وديني حولها، حتى لو كان هناك شك ضئيل، لا يظهر في وعي أغلبية السكان أن هذا المفهوم ينطوي على استعلاءٍ عنصري، تمامًا كما هي الحال في الفاشية القومية.
قبل عدّة أعوام، ومع تفاقم شطط اليمين المتطرّف الحاكم في دولة الاحتلال، اعتبر بعضهم أن هذه الدولة باتت واقفة أمام مفترق طرق حاسم، يحتّم عليها أن تختار أن تكون عنصرية أو متعدّدة الثقافات. وبرأيه، يتجسّد هذا المفترق على صعيد السياسة الداخلية في نظرة أو موقف اليهود إزاء فلسطينيي 48. وعلى الصعيد السياسي العام، يتجسّد في الموقف إزاء 'حل الدولتين'.
ولدى صدور الجزء الأول من 'عقيدة الملك'، أعاد بعض آخر التذكير بمقولة هيرمان غورينغ، القائد العسكري النازيّ مؤسس جهاز الغستابو: 'كلما سمعت كلمة ثقافة، تحسّست مسدسي'، لكي يؤكد أن كبار الحاخامين اليهود يتقوقعون في شرنقة اليهودية، حالما تتناهى إلى أسماعهم كلمة ثقافة، وبذا يعلنون على الملأ أنهم يهود أولًا، ومن ثم جزء من البشرية الإنسانية.

نيسان ـ نشر في 2017-02-23

الكلمات الأكثر بحثاً