اتصل بنا
 

شريف الزعبي يكتب عن الزمن الجميل وأشياء أخرى

كاتب اردني

نيسان ـ نشر في 2017-01-23 الساعة 01:08

نيسان ـ

في زمان ليس بالبعيد، عندما كنا نجلس على مقاعد الدراسة، أو على تلك المصنوعة من أطباق البيض والمنزوية على أعتاب الدكاكين، لنأخذ ما يتيسر من العلم ' الحديث ' و نتحلى بأخلاق الكبار، و نتصدق بابتسامة عفوية اردنية عربية، ثم نتورط في مشروع حب لا يزال فتياً، وننشر العاطفة بين ثنايا الزملاء و الزميلات.
ببساطة، هكذا كانت تدار الامور بالصدق و الحب و الاخاء، و اهم هدف لنا هو العلم، فأنا من تلك الحقبة التي عانت من تغيرات اجتماعية و اخلاقية و سياسية، لنقل أنها أربعة تغييرات طرأت في المنطقة ، التغير الاول؛ الحركة الوهابية، و الثاني؛ حركة الاخوان المسلمين، فيما برز الفكر الشيوعي كتغير ثالث، قبل أن تندلع ثورة ايران كتغيير رابع.
لن أضيف جديداً إذا ما قلت أن كل تلك المتغيرات صبت في هذا الوطن، فمن منا لا يحب السلف الصالح، و من منا لا يُحبُ حنكة الاسلام السياسي، ومن منا لا يُحب ال بيت الحبيب محمد صلى الله عليه و سلم، و لكنها تلك الافكار هي تلك الاهداف وتلك المناصب أيضاً.
كل شيء تغير الان، و بدل الفخر بسيرة الناجحين بالتاريخ صرنا نبجل اشخاصا، والدماء تملأ بطونهم، او انهم لا يستحقون .. من الذي علّمنا في مدارسنا ؟.
سؤال سأجيب عليه بكل صراحة، هو احد المتأثرين بتلك المتغيرات، والتي لا مشكلة عندي فيهم، المشكلة ان الاوطان ليست في اولوياتهم، و هذا ما لا اتفق معهم، حتى رب العالمين لديه حكمة من الخلق، فبالعودة لما يخص الانسان في الخليقة، فالله تعالى خلق الارض في البدء، و خلق الانسان بعدها، و من ثم اوجد العقيدة، فالاوطان اولا، و الحفاظ عليها اولى من كل الاشياء التي تأتي بعد ذلك، فنحن خلفاء الله في الارض، نبني و نعمر العقول، التي ستعمر الارض و نحفظ انفسنا من الهلاك .
عندما كنت ارى مدرّس الرياضيات يسعى لإجبارنا أخذ دروس التقوية بعد الدوام المدرسي؛ لندفع له اجرة زيادة، ايقنت ان الامر ليس بالعدل، حيث انه لا يعطينا المعلومات نفسها، بل يتوسع لدافعي المبالغ الاضافية، فقلت لنفسي لماذا لا تدفع وزارة التربية و التعليم رواتب جيدة ؟ لماذا لا يكون للمعلم خصم حقيقي لتدريس ابنائه في الجامعات ؟.
ليس هذا وحسب، بل إنني لا أزال أنبش في الذاكرة البعيدة علي أجد تفسيرا أو جواباُ لألفاظ مدرس مادة التربية الاسلامية كان السيئة، لكني أصل دائما إلى السؤال التالي: لماذا يفعل كل ذلك في درس الاخلاق؟ لماذا لم نجد من يقول لزميلي في بقية المدارس او الزوايا الدينية انه عندما مُدح النبي صلى الله عليه و سلم في القران الكريم قيل له ' وانك لعلى خلق عظيم '؟ ولماذا لم يعلمونا ان لا نعتدي ان لا نقتل، ويعلموننا ان نناقش و نجادل بالحق، وان نحترم الاخرين، لماذا اخذت هذه التعليمات الى غيرنا ؟؟.
اسئلة كثيرة ارغب بمعرفة اجابتها و لمصلحة من تُركت المدارس بين الاعوام 1985 و 2000 حتى استوعب العرب ان التطرف قادم و نحن الان نجني ما فعلناه نتيجة ' تطنيش ' سابق فيما ارتداداته ماثلة أمامنا ىاليوم، ثمار الغرقد نراها الان امام اعيننا، انا لا خشى عدوا يتربص بي لانني اعرفه و اعلم عنه، بل و انني مستعد للقائه، لكن المعادلة اختلفت اليوم، وأصبح العدو الان هو انا، هو انت، هو النفس اللوامة التي لامت نفسها بانسياقها لافكار دمرت الامة، و اخذ الامر مئة عام او اكثر فقط .
الحرب ليس فقط حربا على الاسلام و العرب من اجل ثرواتهم الطبيعية، بل حرب تشكيكية بكل تاريخنا، بكل موروثنا، هي حرب أوصلتنا إلى مشاهد متخيلية عنا، مشاهد تقول وتصرخ بأننا في ذيل البشرية، هي حرب لم يشعلوها، بل وفروا كل امكانيات اشعالها، بعد أن اشعلناها بأنفسنا، كل ما علينا أن نشعل الفتيل لتشب ألسنة النار في جسد الأمة، و قد فعلنا و نظرنا و احتفلنا و قتلنا و رقصنا و رسمنا و اغتصبنا، هي حالة نكران نعيشها ، صُدم المصريون بنجاح ثورتهم عام 2011 و اثناء تلك الصدمة و عدم الخبرة الثقافية بتسيير امور البلاد سُرقت منهم.
ما كان على الغرب الا ان يرى اعوجاجا ثقافيا او سياسيا او اجتماعيا صغيرا جدا ، حتى استغل تعزيز هذا الاعوجاج و اصبح العربي يدافع عن ' جحشنته ' بنفسه و بلسانه، في نفس المدرسة في ذلك الفصل ضَرب احد التلاميذ المعلم من الخلف فضحكنا جميعا فالتفت المعلم و قال : من فعل هذا ؟ 'تلقائيا' ببراءة الطفولة قلنا له هذا من فعلها فعاقبه على فعلته فلم يعيد الكرّة و لن نفعلها نحن.
هنا مربط الفرس، ان الفاسد لم يجد تلك المجموعة في الصف حتى تخبر عنه وتؤشر غليه باعتباره فاسداً، لو توفرت تلك الجرأة لما تجرأ احد على الفساد في ظل محاسبة و مراقبة عادلة، و هذه تأتي ببناء الامم و الحضارات و هذه اصعب بكثير من بناء 'مترو' او باص سريع الذي بالاساس دخل مرحلة الشباب في تنفيذه .

نيسان ـ نشر في 2017-01-23 الساعة 01:08

الكلمات الأكثر بحثاً