اتصل بنا
 

ليث شبيلات.. سياسي يعارض الحكم والمعارضة

نيسان ـ نشر في 2017-10-15 الساعة 09:05

x
نيسان ـ

محمد قبيلات
عمّان - آخر اشتباكات المعارض الأردني ليث شبيلات تفجرت مؤخرا مع بعض ممثلي الحراكات الشعبية الذين التقوا في اجتماع عقد في مدينة الكرك حيث تنادى العشرات من ممثلي الحراكات وبعض النواب العاملين والسابقين ليضعوا أسسا جديدة لاستئناف الحراك ضد حكومة هاني الملقي؛ المُزمِعة أمرها على رفع الضرائب على الموظفين ومحدودي الدخل، لكن خلافات كثيرة دبّت بينهم على آليات العمل وتحديد الأولويات.

استمرت التراشقات والاتهامات بين الحراكيين ونواب سابقين وحاليين على وسائط التواصل الاجتماعي إلى ما بعد الاجتماع ما استثار ليث شبيلات فانتصر للنائبة السابقة هند الفايز وهي ابنة المناضل العتيد حاكم الفايز الذي كان أحد أفراد مجموعة ضمت صلاح جديد وضافي جمعاني ومجلي نصراوين، ممّن أمضوا في سجن المزة في سوريا نحو ثلاثة وعشرين عاما إثر انقلاب حافظ الأسد على نور الدين الأتاسي.


شرارة الخلاف مع الإسلاميين

هذا المشهد عاد بالأردنيين إلى بدايات نشاط شبيلات السياسي عندما بدأ الانخراط في لعبة المعارضة السياسية للحكم، كان ذلك في أواخر الثمانينات من القرن الماضي حين تواصل شبيلات مع فعاليات شعبية جنوبية كانت تخطط لعقد مؤتمر وطني عام تنظمه بالتنسيق مع القوى المعارضة الأردنية وفعاليات اجتماعية في مدينة معان.

حينها؛ ولأن الدولة كانت في أضعف حالاتها بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وبعد هبّة نيسان الاحتجاجية، أقدم الملك الحسين بن طلال على خطوة استباقية قطع بها الطريق على الجميع، فدعا إلى ميثاق وطني جديد وتشكلت لهذه الغاية لجنة وطنية شملت مختلف أطياف المجتمع الأردني لتتوافق على الميثاق الوطني الأردني.

وبالفعل فقد دشنت الدولة الأردنية عبر هذا الميثاق حقبة سياسية جديدة أُعيد من خلالها توضيح وتأكيد بنود العقد الاجتماعي الأردني؛ لتستأنف -بناء عليه- الحياة السياسية الأردنية مسيرتها بنكهة ديمقراطية جديدة، فقد أجريت الانتخابات وأعيدت حرية العمل الحزبي وأوقفت ملاحقات المعارضين الأمنية وأعيد المفصولون إلى أعمالهم كما تم وقف منع السفر بحق المعارضين وأوقف العمل بالأحكام العرفية عامة.

لدى مشاركة شبيلات بانتخابات 1989 بدأت دائرة خلافاته مع جماعة الإخوان تتسع، حدث ذلك لأنه أحس بنيتهم إطاحته حيث قاموا بترشيح بعض كوادرهم في الدائرة الانتخابية الأولى وهي الدائرة نفسها التي كان ينوي الترشح فيها وتشمل بعض أحياء عمان الشرقية الفقيرة، ما جعله يغيّر وجهته ويذهب بتحديه لهم إلى آخر الشوط، فترشح في دائرة “الحيتان” الثالثة، وهي دائرة مختلطة السكان من حيث الأصول والطبقات وتقطنها الزعامات البرجوازية والاجتماعية، وفاز عضوا في البرلمان الأردني الحادي عشر.
عاش شبيلات حياة مرفهة نوعا ما إذ ظلت عائلته تحظى برعاية خاصة من قبل القصر وتعيش في كنفه، حيث شغل والده المقرب من الحكم مناصب مهمة في الدولة فقد شغل منصب وزير الداخلية ورئيس الديوان الملكي وأمين عمان وسفيرا في كل من لبنان وتونس والهند وغيرها من العواصم، هذا ما جعل ليث يقضي معظم مراحل حياته الأولى خارج الأردن، إذ درس في المدارس اللبنانية ثم درس الهندسة المدنية في الجامعة الأميركية في بيروت، وتخرّج فيها عام 1964 ليكمل دراساته العليا في جامعة جورج واشنطن ومن ثم عمل في إيطاليا بعض الوقت.


افتراق الطرق

في عام 1970 حدث التحول في علاقة عائلته مع القصر، وحسب ما يدور من أحاديث عمانية قديمة فقد أُلقيَ القبض على أحد الفدائيين مختبئا في بيت فرحان شبيلات، ويقال إنه صديق لجأ إلى عائلة شبيلات هاربا من أتون الحرب المستعرة بين الدولة والتنظيمات الفلسطينية، فغادرت العائلة إثر ذلك الأردن.

بالمقابل، هناك رأي خاص لفرحان شبيلات في تلك الحرب مع المنظمات دفعه للسفر إلى لبنان قبل أن يستقر في نهاية المطاف في تونس، ولم تعد عائلة شبيلات إلى الأردن إلّا في نهاية السبعينات من القرن الماضي بعد وفاة والده هناك.

بدأ حينها ليث شبيلات مرحلة العمل النقابي حيث فاز برئاسة نقابة المهندسين وأصبح رئيسا لمجلس النقابات المهنية الأردنية، ما لفت أنظار الحسين بن طلال إليه فعينه في المجلس الاستشاري الأردني، وهو مجلس جرى تشكيله في محاولة لتعويض النقص الناجم إثر تعطل العمل البرلماني الأردني، وشكلت تلك المحطة أول تماس المهندس شبيلات مع السياسة.

نشاطه السياسي بدأ بالفعل بعد الأربعين من عمره، وقبيل ذلك كان قد أخذ يتلمس هويته السياسية فتقرب من بعض الجماعات الدينية ليلتحق بجماعة الشيخ حازم أبوغزالة وأتباع الطريقة الصوفية الشاذلية، ولم تربطه علاقة تنظيمية بالإخوان المسلمين إلا في حدود تقديم الدعم له كنقابي إسلامي في مطلع ثمانينات القرن العشرين، وعدا ذلك ظلت علاقته بهم مشوبة بالتوتر والقلق، فلم ينسجم مع قيادات الجماعة برغم علاقاته الواسعة مع القواعد، وكذلك الأمر مع التيارات القومية واليسارية، وهناك من يقول إن ليث كان مختلفا مع قيادات الأحزاب لكنه كان يفوز بأصوات أعضائها.

عُرفَ شبيلات بسلاطة اللسان والجرأة، فلم يكن يوما ليّنا في النقد، سواء كان المعنيّ بعيدا أو قريبا، وهذا ما ساهم ببلورة صورة لليث بدا فيها متعجلا لجوجا سياسيا، فلم يلتزم بقواعد اللعبة السياسية الأردنية، وتجاوز سقوفا طالما ظلت عالية بالنسبة إلى المعارضين، ونبش ملفات لم يفكر معارض بالاقتراب منها يوما، لكنه، ومع ذلك، لم يتجاوز الدستور، وظل معارضا يطالب بالإصلاحات الدستورية والالتزام بالدستور.
فهو المُطالب بالملكية الدستورية، كما طالب علانية بأن تستعيد الحكومات ولايتها كاملة من هيمنة موظفي الديوان الملكي، كذلك انتقد جماعة الإخوان علانية حين تفجّرت بينه وبينهم خلافات واسعة كان سببها قانون الصوت الواحد الانتخابي حيث عارض القانون وقاطع الانتخابات وانتقد الإخوان لمشاركتهم فيها عام 1993، وحمّلهم وزر اتفاقية وادي عربة، لكن الإخوان لم يأبهوا بملاحظات ليث شبيلات بل اعتبروها متطرفة، وأصرّت الجماعة على المشاركة، وحينها قال المراقب العام عبدالرحمن خليفة قولته “الحسين نادى ونحن نلبّي النداء”.


شغف بالملك حسين

لا يخفي شبيلات إعجابه بالملك الراحل الحسين بن طلال، ويعود ذلك، ربما، إلى ما حظي به من اهتمام أيامها من قبل الملك، حيث عامله الحسين بنوع من الندية التي تليق بمعارض وطني، وعندما حُكم عليه بالإعدام إثر توجيه الاتهام له مع آخرين بتشكيل تنظيم النفير قالت جهات أمنية واستخباراتية ألمانية لاحقاً إن قضية التنظيم المحظور ملفقة، أصدر الحسين، بعد يومين فقط، عفوا عاما شمل شبيلات، لكن ولأول مرة في التاريخ يرفض سجين العفو الملكي، ويصر ليث أن يكمل مدة حبسه، وهذا ما تمَّ بالفعل، ويعلل ذلك بأن العفو قد جاء ليشمل أيضا خصومه المتورّطين بقضايا فساد.

وبرغم محاولة ليث فتح ملفات كانت قد تصل إلى رئيس الوزراء آنذاك، الأمير زيد بن شاكر، وهو من العائلة المالكة ومن أبناء عمومة الملك، إلا أن الأمر مرّ بسلام. وحدث أن كان ليث مسجونا في سجن سواقة الصحراوي فناشدت والدته الملك الحسين أن يطلق سراحه، ولبّى الحسين مطلبها بل إنه ذهب بنفسه إلى السجن وأطلق سراح شبيلات بعفو ملكي خاص، وحمله معه بسيارته الخاصة وأوصله إلى بيت والدته. فكيف لمعارض يحظى بأن يفرج عنه الملك بنفسه ويقلّه من السجن إلى البيت، سائقا به، ولا ينظر إليه بالإعجاب؟

وفي صيف عام 1998 شاهد الملايين المناظرة المتلفزة التي جمعت المعارض شبيلات وعبدالرؤوف الروابدة التي كرست الروابدة مدافعا عنيدا عن موقف النظام، ورفعت أسهمه في الحلقات الضيقة للحكم، حتى أن هناك من يرى أن هذه المناظرة كانت أحد أسباب تعيينه فيما بعد رئيسا للوزراء، لكن هذه المناظرة كرست أيضا وفي الوقت نفسه ليث شبيلات معارضا قويا تحظى انتقاداته وملاحظاته للنظام بتأييد شعبي كبير.
علاقات قيد الالتباس

لم يقتصر حضور شبيلات على الساحة المحلية فقط، بل إنه حقق حضورا عربيا وإقليميا وبنى علاقات محفوفة بالالتباس مع العديد من قادة الدول، فكانت علاقته الأولى مع إيران في عهد الثورة، ويقال إن الخميني التقاه أكثر من مرة وإن حوارات دارت بينهما حتى أنه رثى الخميني حين وفاته بمقال مطوَّل ووقف إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، لكنه بعدها تمكن من نسج علاقات قوية مع الرئيس العراقي صدام حسين، وحاول مع آخرين الوساطة لدى إيران من أجل إعادة الطائرات العراقية التي تم تهريبها إلى إيران إبان الحرب الكونية على العراق، لكن تلك الجهود لم تثمر.

كذلك فإن لشبيلات علاقة بأوساط نافذة في القيادة السورية، ومع بشار الأسد شخصيا، فقد قال إنه التقى الرئيس السوري قبيل بدء الثورة السورية وكان صريحا معه وألحَّ عليه بإجراء إصلاحات سريعة قبل أن تنفجر الأمور في سوريا، مشيرا إلى أن ما حدث لاحقا كان قد توقعه في ذلك الحين.

ومع بداية الأزمة وجّه رسائل للأسد طالبه فيها أن يحقق بعض المطالب الشعبية بالإصلاحات من أجل سلامة سوريا، ونشر هذه الرسائل نوعا من البراءة من النظام، ما أثار غضبا شديدا في أوساط النظام ومؤيديه. لكنه زاد وانتقد، مؤخرا، النظام السوري صراحة في لقاء مع إحدى الفضائيات اللبنانية ما استثار بعض المقربين من النظام السوري فوجهوا إليه انتقادات جارحة.

ولم يسلم من مؤيدي النظام السوري في الأردن فعندما كتب قبل أيام مقالة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال ناهض حتّر، انهالت عليه، وما زالت، الانتقادات لذكره أن حتّر ذهب معزيا بأبي مصعب الزرقاوي، ونقل عن حتّر أنه قال “أنا أذهب لأعزي بأردني قاتل الأميركان”.

وهكذا يواصل ليث شبيلات، المنحدر من مدينة الطفيلة الجنوبية حروبه في العاصمة عمّان من دون مهاودة، مرة مع النظام والخصوم وأخرى مع المعارضة والحلفاء، حتى توجهت إليه أصابع الاتهام بالفردية وبأنه لا يجيد مهارة العمل مع فريق.

ينتقد شبيلات أداء القوى الإسلامية، خاصة الإخوان المسلمين، وكذلك القوى القومية، معتبرا أن على الطرفين أن يعترفا بأنهما ارتكبا أخطاء جسيمة، فعلى القوميين أن يجتمعوا وأن يعلنوا أنه كان من الخطأ دعمهم الانقلابات على الديمقراطية، وعلى الإسلاميين أن يعترفوا بأنهم ارتكبوا خطأ بطلب الدعم الخارجي، لذلك اعتزل العمل السياسي أكثر من مرة، واليوم ينسحب من الأطر السياسية جميعها، والتي إما أسسها أو شارك في تأسيسها، ولا يلتزم إلا بجمعية مناهضة الصهيونية التي أسّسها أواخر التسعينات من القرن الماضي.

العرب اللندنية

نيسان ـ نشر في 2017-10-15 الساعة 09:05

الكلمات الأكثر بحثاً