اتصل بنا
 

عبقرية وزير الزراعة

نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 08:44

x
نيسان ـ

محمد قبيلات.. نفى وزير الزراعة، المهندس خالد الحنيفات وجود مؤامرة ضد زراعة القمح في الأردن، وقال لوسائل إعلامية أمس، إن استهلاك الأردن من القمح بلغ نحو مليون طن سنويا، بينما الانتاج المحلي فقط 20 ألف طن، وأن تكلفة الطن عالميا 150 دينارا، بينا تشتري الوزارة القمح من المزارعين الأردنيين بنحو 450 دينارا للطن الواحد.
بداية، نود لفت نظر الوزير إلى أن القصة ليست قصة مؤامرة ولا غيرها، بل هي نتيجة طبيعية للسياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ بداية السبعينيات، ما أدى إلى خلق اختلالات كبيرة في الاقتصاد الوطني الأردني، تم ذلك من خلال استسهال توجيه القوى العاملة إلى الانخراط في قطاع الخدمات بدل بقائها في القطاع الانتاجي.
فالأرقام كلها تشير إلى أن الأردن ظل يغطي حاجته من مادة القمح والشعير والبقوليات، ويصدر فائضها إلى أوروبا عن طريق لبنان حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وأن بداية الانقلاب وظهور العجز في إنتاج الحبوب، كانت في منتصف الثمانينيات حيث بدأت عملية تغطية هذا العجز بالاستيراد من الخارج.
أما بالنسبة لذريعة التغير المناخي وانخفاض كمية الأمطار، فما هذه إلا حجة واهية، ويمكن رصد كميات هطل الأمطار خلال الخمسين سنة الماضية والتأكد من أن التغير فيها لم يكن ليؤثر في زراعة القمح والحبوب عموما، هذا إضافة إلى تطور وسائل الري والتوسع في استخدام المياه الجوفية.
الانخفاض في معدلات الأمطار لم يكن في المناطق الأقل من المتوسط في سلم الهطول، وهي المناطق الصالحة لزراعة القمح والشعير، فحسب الدراسة التي أجرتها جامعة ستانفورد بالتعاون مع وزارة المياه والري، وغطت الفترة 1970- 2013 فإن المناطق ذات الهطول الأقل من 220 ملم سنويا لم تنخفض معدلاتها، وأن الانخفاض انحصر في المناطق الأعلى هطولا، وخلال الـ 19 عاما الأخيرة فقط.
وفق ذلك، فإن السياسات الحكومية هي التي ضربت هذا القطاع، ووجهت المزارعين إلى الوظائف الحكومية، إضافة إلى توسع المدن، من دون أدنى درجة من التخطيط، حيث ابتلعت الأراضي الصالحة للزراعة بدل أن تتوسع باتجاه المناطق الصحراوية، هذا إضافة إلى استسهال توجيه المساعدات والقروض تجاه النفقات الجارية بدل الرأسمالية، فصار كل ما يدخل إلى الموازنة يخرج منها على شكل رواتب، وتضاءلت حصة النفقات الرأسمالية إلى أن بلغت نحو 3% في موازنة 2017 بعد أن كانت نحو 30% من الموازنة في سنوات سابقة.
هذا الكلام ليس نظريا، وبتوضيح أكثر يعني؛ أن الحكومات المتعاقبة لم تخصص المبالغ الكافية لدعم هذا القطاع، مثلا: لو تم التوجه لبناء السدود ومشروعات الحصاد المائي- وهي مشروعات لا تكلف عشر المديونية- لاستوعب قطاع الانتاج الزراعي نسبة كبيرة من البطالة، السافرة والمقنعة، والمندرجة في قطاع الخدمات العام، ولخفف عن الموازنات السابقة عبء الرواتب والدعم.
لا يسير هذا الحديث اتجاه تأييد نظرية الاكتفاء الذاتي، لكن حديث الوزير يظهر عدم اهتمام الحكومة الحالية في إيجاد التفسير والتوصيف الصحيح للمشكلة، وهي الخطوة الأولى.

حديث الوزير مُحبط، لأنه يصدر عن رجل يدير أهم نوافذ الحل، ألا وهي وزارة الزراعة، التي منها يجب ان تبدأ عملية إعادة النظر في السياسات الزراعية جميعها، لا الاكتفاء بالدفاع والتبرير بذرائع واهية.

نيسان ـ نشر في 2017-10-03 الساعة 08:44

الكلمات الأكثر بحثاً