اتصل بنا
 

جريس سماوي من المهجر إلى كرسي الوزارة عبر رواق الشعر وقوافي القصيدة

نيسان ـ نشر في 2017-09-27 الساعة 23:06

x
نيسان ـ

إعداد – سعد الفاعور

مع اسمه، يبدو كلَّ شيءٍ جميلاً، وكما أجراس المشرق، تقرأه شاعراً، أديباً، إعلامياً ومثقفاً أردنياً، ولد في زمن مخضب بطلع أقحوان الشيح والدحنون والحناء، فغدا وكأنه معزوفة تخرج أنغامها من بين أوتار 'ربابة' تباري أوتار 'كمنجة' في سباق بين حداثة التقاليد وعفوية البداوة!

رغم هجرته المبكرة جداً إلى الغرب، وهو لا يزال يافعاً، لكنه لم يعش الفطام مع تراث طفولته، ومفردات أجداده، وثقافة الوطن، بل تكاد أن تعجب وأنت ترى مخرجات ثقافة هوليوود وشاشة 'سي إن إن' وتعاليل مسرح الباليه الأميركي، ومسرح كوداك، راهناً، ودولبي سابقاً، وقد عجزت عن اغتيال حرف الـ (ض) من على لسانه ومن تجاويف قلبه.

صورة ذات صلة

برزت نجوميته بقدرته المذهلة على تطويع مفردات بيئته الأولى في خدمة النص المتمرد على قيم الحداثة إلا قليلاً. فأنتج نصاً منشداً إلى عراقة الماضي بقوة حصان عربي، يصهل أمام بيت 'شعر' في مقارعة حرة مع فصاحة لسان فارس بدوي، فأنطق تلك المفردات البدوية الأردنية التراثية الغائرة بتاريخ الشنفرى، والمغلفة بغبار الماضي العميق، قصائد شعر!

رغم أنه هاجر مبكراً إلى الولايات المتحدة مع عائلته، ورغم دراسته الأدب الإنجليزي والفلسفة وفن الاتصالات الإعلامية، لكن في أعماله ودواوينه، كل شيء يبدو كبيراً وعظيماً، وعميقاً ومربوطاً بجدائل عمّونية وجلعادية مع هوة سحيقة من تراث المشرق والعروبة والفروسية وتراث المدرقة واليرغول وحطب النار والخيمة وغبار السفر وأجراس الكنائس وأصوات المآذن!

جريس، أنتج هوية شعرية أردنية مبتكرة، بشخصه وأناقته ودماثة خلقه ووسامته، وسعة إطلاعه، وعمق تجربته، وثقافته الممتدة والمنفتحة، محتمياً بأناقته المفرطة، ومتسلحاً بصوته الأنيق، ومخارج حروفه المنسقة، وقدرته المذهلة على الإلقاء.

رغم كل ذلك، إلا أن هناك من يرى أن جريس، كالقمر، له جانب معتم، وأنه كثيراً ما يخفق لأنه يكتب شعراً مضت عليه العقود والأيام، بل إن فريقاً يتشدد في النقد أكثر من ذلك، ويصف ما ينتجه الرجل بأنه 'لا يمكن وضعه في دائرة الإبداع أبداً!'.

يرى تيار آخر، أن شخصية جريس الشعرية الخاصة، غائبة، وأنه عجز عن ابتكار هويته أو اكتشاف ذاته، وأنه في أحسن الأحوال مقلد، وأن شخصيته أشبه ما تكون بالسير على منوال محمود درويش، وأن قدرته الإبداعية هنا، تتلخص بمهارته في نقل القارئ لنصه أو المستمع لإلقائه برحلة مزدحمة بالخيال، درجات سلمها مهارة الإلقاء فقط!

نتيجة بحث الصور عن جريس سماوي

تيار آخر يرى أن الرجل، مَثَّلَ تجربة مثرية للنص الشعري والأدبي المحلي، وأن نصوصه حلقت في فضاءات عالية، وتحررت من قيود الدوران في الحلقة المفرغة، وأنه ليس ذاك الشاعر المثقل بعبء النجومية المرهقة.

يعزز ذلك الرأي، أن أشعار جريس تستخدم ألفاظاً ذات بريق ساحر ومربوطة بجدائل من عراقة الماضي، مثل: 'مدرقة، يرغول، راعي، حطب، نار، خيمة وغبار سفر'. وهو ما يجعله يبدو قمراً مكتمل البدر، طوع مفردات الماضي في قصائد مغلفة بحداثة الحاضر.

جريس، الذي هاجر مبكراً، لم يقو على البعاد كثيراً، فقاده الحنين للعودة إلى الأردن، فعمل في التلفزيون الأردني حيث قدم برنامج 'جوردانيسك' على القناة الثانية (الأجنبية)، فلمع نجمه، وهو ما أهله لتقديم برامج أخرى على القناة الأولى، مثل: 'ذاكرة المكان،إيماءات، وفارس الحلقة'.

بعد ذلك، عمل جريس مديرا عاما لمهرجان جرش للثقافة والفنون، وظل في هذا الموقع حتى عام 2006، حيث استقال ليتفرغ لوظيفته الجديدة كأمين عام لوزارة الثقافة الأردنية، وهي الوظيفة التي أهلته ليصبح لاحقاً وزيراً.

صورة ذات صلة

يجيد الرسم وله كتاب هو عبارة عن مجموعة شعرية بعنوان 'زلة أخرى للحكمة'، وقد ترجمت قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والرومانية والتركية. وقد أصدرت له مؤخرا جامعة كوستاريكا ترجمة بالأسبانية لمجموعة من قصائده، كما أصدرت جامعة اسطنبول مجموعة من أشعاره مترجمة إلى التركية.

كتب عددا من المسرحيات الغنائية، وقد نشر وما زال ينشر في العديد من الصحف والمجلات الأردنية والعربية. كما شارك في كثير من المهرجانات العالمية. وإلى جانب العربية، يكتب جريس أيضا أشعاره بالإنجليزية.

أصبح وزيرا للثقافة في الأردن عام 2011، حيث صدر عن قصر رغدان العامر في الثلاثين من رجب سنة 1432 هجرية، الموافق الثاني من تموز سنة 2011 ميلادية، تعيين جريس سماوي وزيرا للثقافة في الأردن ضمن حكومة معروف البخيت.

تحت وطأة المظاهرات الشعبية الأردنية المطالبة بالإصلاح، والتي كان أحد أبرز مطالبها منع الأردنيين مزدوجي الجنسية من شغل المناصب الوزارية، قدم جريس استقالة مؤثرة، عبر فيها عن انتمائه الراسخ لتراب الأردن، ووفائه له، وهو وزيراً، كما وهو مواطن بسيط، متجرد من أي مسمى حكومي رسمي.

صورة ذات صلة

نيسان ـ نشر في 2017-09-27 الساعة 23:06

الكلمات الأكثر بحثاً