اتصل بنا
 

أوردوغان ديكتاتور أم إمبراطور؟

كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

نيسان ـ نشر في 2018-08-17 الساعة 12:54

نيسان ـ من قعر العاصمة التركية حاليًا، ومركز الدولة العثمانية تاريخيًا، مدينة اسطنبول، يقف رجب طيب أوردوغان ممشوق القامة في مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولاياته المتحدة الخمسين في حربٍ اقتصادية ضارية، في أعقاب الأزمة الدبلوماسية الدائرة حول رفض تركيا الإفراج عن القس المقيم و المحتجز في تركيا، أندرو برانسون.
وقد اعتقل برانسون قبل عامين، وهو متهم بدعمه لحزب العمال الكردستانى، الذي تصفه أنقرة بالإرهابي، بالإضافة إلى علاقته بأتباع فتح الله جولن، الداعية الإسلامي المعارض للنظام الترك، بهدف الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أوردوغان الأمر الذي تنفيه الولايات المتحدة ومحامو برانسون.
سلاح أمريكا القوي هو فرض عقوبات اقتصادية وضرب حصار على الدول التي لا تخنع لها كما شاهدنا في حالة العراق وإيران وكوبا وغيرها من الدول. ها هي تستخدمه ضد تركيا الحليفة استراتيجيًّا. فهل من المحتمل أن تتطور هذه الحرب الإقتصادية إلى حرب أمريكية شاملة كما حدث في العراق، مع دولةٍ طالما كانت حليفة. فتركيا عضو في حزب الناتو وهي كانت عضوًا في تحالفٍ ثلاثي أمريكي إسرائيلي تركي. كما أنها كانت دولة مرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي لولا الأزمة في قبرص مع اليونان.
وتركيا تظل دولة علمانية منذ تأسيس كمال أتاتورك لها، حتى ولو حكمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي برئاسة أوردوغان والمقرب من الأخوان. وتركيا تحتوي على عدد لا بأس به من القواعد العسكرية الأمريكية. فهل انتهت بوادر الصداقة الآن وتم الإتيان على أواخر شهر العسل بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية.
منذ دخول أوردوغان السلطة عام ٢٠٠٢ وهو يتخذ مواقف سياسية تتناسب وقناعاته الإسلامية ومبادئ حزبه. وأصبح أوردوغان أشهر رئيس تركي يحتل شاشات التلفاز في العالم العربي وكثيرًا ما تمنى الجمهور العربي أن يحذو رؤساؤنا حذو أوردوغان سواء في الإعلان عن مواقف سياسية جريئة مثله أو الإدلاء بتصريحات صحفية قوية ومتماسكة تعبر عن وجدان الجماهير . وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر مواقفه من قضايا اللاجئين السوريين والقضية الفلسطينية والإسلاميين في مصر ودعمه لقطاع غزه ودعمه العسكري لقطر إثر الخلاف مع دول الخليج حول الإرهاب ومسألة طرده للسفير الإسرائيلي الأمر الذي كان يزيد من شعبيته في داخل وخارج تركيا وبالذات في الأوساط العربية اليتيمة التي وجدت في أوردوغان الرجل الذي حمل أصواتها وأوصلها للعالم وتحدث وفعل بما يملي عليه وجدانه ووجدان الجماهير العربية المهمشة من قبل قياداتها. وكونه إسلامي ينطق من مقر الخلافة العثمانية قد يزيد من رومانسية المشهد السياسي، فها هو رجل تركي من دولة تاريخها يمتد إلى عهود إسلامية كانت تحكم من البحر إلى المحيط، يؤطر أواصر الدول العربية ولو بأقل الإيمان. ولا ننسى بالطبع شعبية ولا مركزية الإسلام السياسي، ففي كل دولة عربية هناك أحزاب إسلامية ووجود إسلامي شعبي لا يستهان به.
أما المواجهات الكبرى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أوردوغان وما ترتب عليها من فرض عقوبات إقتصادية متبادلة وانهيار مروع للعملة التركية، فإنها ستضع كلاً من الولايات المتحدة وتركيا على المحك. نحن لم نعتد أن تنهزم أمريكا ولكن اعتدنا على وجود مواجهات مع أمريكا مثل تلك التي حصلت مع العراق وتسببت في احتلاله ودماره لغاية الآن.
ونذكر أيضًا المواجهات المتكررة بين أمريكا وكوريا الشمالية وهي دولة صغيرة مقارنة بالولايات المتحدة. ونذكر أن آخر تصعيد حدث من وقت ليس بالبعيد عندما هددت بيونغ يانغ واشنطن باستخدام النووي. نظريًا يمكن القول إنه باستطاعة تركيا الوقوف في وجه أمريكا لكن على من ستعتمد؟ مثلاً من سيستجيب لدعوات تركيا عدم استخدام الدولار؟ وهل يمكن أن يحل اليورو مكان الدولار؟ هل تراهن تركيا على شعبها في مقاطعتها للمنتجات الأمريكية أم هل ستعتمد على العالمين العربي والإسلامي؟ من سيقف مع تركيا؟ القيادات أم الشعوب العربية والإسلامية؟
أكاد أجزم بوجود شعبية لدى أوردوغان في العالمين العربي والإسلامي لكن ببساطة لا أستطيع الجزم بأنه يمكن التعويل عليها في مواجهة خطرة وتصعيد حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبالرغم من كل الإنتقادات الموجهة ضد أوردوغان خاصة من يصفه بأنه ديكتاتور، إلا أنه عصامي وأثبت نفسه مرة تلو أخرى في عالم السياسة. والمواجهة الأخيرة قد تكون الحاسمة والفاصلة.

نيسان ـ نشر في 2018-08-17 الساعة 12:54


رأي: سندس القيسي كاتبة وصحافية مقيمة في لندن

الكلمات الأكثر بحثاً