اتصل بنا
 

تحقيق يكشف عن 'خفايا' الحضانات بالمملكة

نيسان ـ نشر في 2018-08-17 الساعة 09:51

x
نيسان ـ أصبح هاجس الأم العاملة الاكبر تأمين حضانة مناسبة ترتقي إلى المستوى الصحي ، وتتوافق مع الامكانيات المادية للأسرة في ظل الارتفاع الملموس لاقساط الحضانات بجميع مستوياتها، الامر الذي يدفعها للتفكير بحضانة منزلية تسهل عليها مهمتها. إلأ أن العشوائية الحاصلة في الحضانات المنزلية، وغير المرخصة لغاية الان، وتعرض بعض الاطفال إلى مخاطر صحية وتربوية كشف ضرورة وضع تعليمات أو أسس تنظم آلية عملها، وبخاصة بعد تزايد حجم الاعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون رقابة.
وتنص المادة (4/أ) من قانون رخص المهن رقم (28) لسنة 1999، على انه لا يجوز لاي شخص ان يتعاطى اي مهنة في منطقة البلدية أو خارجها ما لم يحصل على رخصة بذلك.
ويبين خبراء ومختصون ل(بترا) أن ما يحدث داخل هذه الحضانات من اساءة أو عنف للطفل او أي استغلال سواء نفسي او جسدي او اجتماعي هو نتيجة لغياب الرقابة على هذه الحضانات.
ويؤكدون ان واقع الحال يزداد سوءا في ظل غياب استراتيجيات ودراسات وطنية تعنى بالحضانات بشكل عام والمنزلية منها بشكل خاص، ما تستدعي الضرورة الى اعدادها وفق خطة ممنهجة، وما يحدث في بعض الحضانات المنزلية ينبىء بخطورة لا تحمد عقباها على صحة ونمو الطفل جسديا اوذهنيا او نفسيا. .
يضطر الأهل للبحث عن حضانة منزلية لأبنائهم تكون قريبة من سكنهم وبكلفة أقل منها من الحضانات الخاصة المرخصة والمعتمدة من وزارة التنمية الاجتماعية والتي تصل تكلفة الرعاية في البعض منها الى ألفي دينار بالسنة .
ووفقا لوزارة التنمية الاجتماعية لا تتوافر أية احصائيات عن الحضانات المنزلية كونها غير مرخصة لغاية الان، فيما يبلغ عدد الحضانات المرخصة (1291) حضانة، بمختلف مناطق المملكة، تم تسجيل(81) حضانة منها خلال هذا العام. . وتبلغ نسبة المتزوجات العاملات في المملكة 50.5%، وعدد الأطفال من عمر الولادة حتى أربع سنوات حوالي مليون و125 الف طفل، بحسب دائرة الاحصاءات العامة.
تهديد وترهيب الاطفال في الحضانات المنزلية ضاقت بالموظفة سمية الأمين، الأرض ذرعاً، بعدما كاد يتفطر قلبها على ابنها قصي ذي الثلاثة أعوام، شهقات تلفظها بشدة حينما رأته ملقى على الأرض دون حراك أو نفس ، لفقدانه الوعي، فحملته إلى أقرب طبيب، لتكتشف أنه أخذ جرعات زائدة من مستحضر دوائي يدعى "بيبكال" يوقف نشاط من يتجرعه ويعمل على تنويمه، ففتك في جسده حتى أصيب بانسداد في البول وانتشار السموم في جسده، وعلمت حينها أن حاضنته التي ترعاه يوميا أثناء وجودها بالعمل، هي التي كانت تدس المستحضر في الطعام .
وازدادت قناعتها بذلك، لأنها ترى بعينها أن واقع منزل حاضنته غير نظيف ، فهو يحتضن 12 طفلا في غرفة واحدة؛ لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الرعاية الصحية والتربوية، فسلّمت أمرها لله ، وتوقفت عن العمل .
وبحسب تجربة الام العاملة آمال جراب لاحظت أنه رغم توفر عدد من الحضانات التي يشعر فيها الطفل بالامان والاهتمام في جانب التغذية،إلا أنها لم تشعر هي وبعض زميلاتها في العمل بالراحة والامان من هذه الحضانات بسبب بعض الحوادث التي يتعرض لها الاطفال ، معتبرة ان الام البديلة لا تغني عن عطف وحنان ام الطفل او الطفلة.
وتنتاب مشاعر الخوف لدى أطفالها(وفق ما تقول) مجرد ذكر اسم مربيتهم قائلة " كنت أشعر بأنني إذا نطقت امام ابني اسم مربيته ينتابه نوع من الخوف "..
ولا تجد جراب الحضانة المنزلية وسيلة لنمو قدرات الطفل الحركية والتعليمية والذهنية ، إذ تفتقر هذه الحضانات للألعاب والانشطة ، فيمضي الطفل وقته بين النوم او مشاهدة التلفاز.
وتعتبر الام العاملة نجلاء عفيف الحضانة المنزلية، مكانا لا يضمن تربية سويّة تمارس فيه بعض أساليب التهديد والترهيب لدى الاطفال دون رقابة، لتضمن المربية عدم خروجهم من الغرفة التي يتواجدون فيها ، والمحافظة على نظافة البيت وتوفير جو من الهدوء لاحد أبنائها الذي كان يستعد لامتحانات التوجيهي، بقولها: "لا تخرجوا من الغرفة فخلف الباب أسد".
وتبين ..انه جراء ذلك، لحق تأثير نفسي وصعوبة بالتعبير لدى ابنها منذ ذلك الوقت وكان عمره سنتين ولغاية بلوغه الان سبعة أعوام، وما زالت تجد صعوبة بالغة في محاولاتها لتخطي هذا التأثير. وبالرغم من توقعات الام العاملة ربا المحتسب، أن جارتها المربية ستهتم بطفلتها ، لكنها لمست قلة الرعاية الصحية وبالذات عدم المعرفة بالاسعافات الاولية.
وتفاجأت مرة بآثار (ضربة كف) على خدّي ابنتها( ليلى) بحسب تعبيرها ، فاستشاطت غضبا من الحضانة ، ونقلتها الى حضانة خاصة رغم تكلفتها العالية .
وتبين مربية رفضت ذكر اسمها، انها تضع عشرين طفلا في غرفة، لقاء (30) دينارا في الشهر للطفل الواحد، تتناوب أخواتها الثلاث لمساعدتها برعاية الاطفال ،إذ تفتح باب حضانتها المنزلية 8 ساعات من الصباح وحتى الساعة الخامسة مساء.

المطالبة بوضع تعليمات خاصة بالحضانات المنزلية
تقول أستاذة الطفولة المبكرة في الجامعة الاردنية الدكتورة ايمان البيتاوي إن الأبحاث والدراسات المتعلقة بالحضانات المنزلية تكاد تكون معدومة في الأردن ، بسبب عدم وجود قوانين خاصة لتنظيم هذا القطاع. وتوضح البيتاوي ان الرقابة في الدول الغربية على مراكز الأطفال النهارية أعلى منها في الدول العربية ، داعية وزارة التنمية الاجتماعية الى توفير برامج تدريبية تساعد مقدمات الرعاية لأخذ الخبرة العملية في التعامل وتربية الاطفال التربية الصحيحة.
ويقول مستشار طب الاطفال وحديثي الولادة الدكتور باسم المومني، إن العديد من المربيات والحاضنات لا تتوفر لديهن الخبرة والدراية التامة في التعامل مع الطفل بمختلف الاشكال النفسية والتربوية والصحية، مشيرا الى أن أطفالا أقل من اربع سنوات يصابون بأمراض معدية واسهالات والتهابات معوية، في ظل عدم توفر الشروط الصحية والسلامة العامة والتهوية الجيدة في البيوت.
ويبين ان المستحضر المستخدم لتنويم الطفل بعد اذابته في طعامه بشكل متكرر لفترة طويلة، يؤثر على نشاط ونمو دماغ الطفل،لافتا الى أن من بين الحالات التي عالجها جروح عميقة اصابت طفلا ، لارتطامه بحواف حادة لأثاث حضانة منزلية.
ودعا الى وضع تعليمات خاصة بالحضانات المنزلية ،تضمن الصحة والسلامة العامة، وتُلزم بزيارة دورية لطبيب معتمد للكشف عن الاطفال لدى المربية المختصة.

ويرى استشاري الامراض النفسية والحالات الإدمانية الدكتور عبدالله أبو عدس، أن الاطفال يعانون في الحضانات من التأثيرات والانماط السيكولوجية ، فعند البكاء المستمر يعني اصابته بالحزن والقهر نتيجة ترك والده او والدته له، أو حرمانه من حاجاته الاساسيه كالمأكل والمشرب، وهناك من الاطفال من ينعزل عن الاخرين..
ويضيف ان من الحالات التي تابعها لأطفال يعنّفون في تلك الحضانات، إذ تظهر علامات ذلك في شخصية الطفل المتنمر والعنيد والعصبي ، حيث يعبر الطفل بسلوكه عن نوع من القهر أو الضغوطات التي تمارس عليه يوميا في تلك الحضانات.
وبين ان هناك حالات لاطفال يجبرون على عمل أنشطة او تمارين لا يحبونها، او النوم لساعات طويلة ، أو تناول اطعمة معينة، ما يؤدي الى ضغط نفسي عليهم، ويكون حينها المخرج العاطفي والمسلكي لهم غير مقبول.
ويدعو لتدريب سيكولوجي ونفسي وتربوي لمقدمي الرعاية في تلك الحضانات حول التعامل مع المراحل العمرية،والاهم أن لا يخرج الاطفال ممن لا يتجاوز أعمارهم عن الثلاث سنوات من تحت الرعاية النفسية والاجتماعية للأب والام.
ويبين ان الضغط النفسي لدى الطفل يؤثر على نموه مما يجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة بالانماط القلقية عامة، والاصابة بالخجل وقلة الثقة بالنفس، وأعراض أخرى مثل التبول، او الاصابة ب"النكوص" كقضم الاظافر او شد الشعر او الصراخ المتواصل او العناد او رفض الاوامر الاسرية. وقال ان من أحد المشكلات الاساسية الذي يتعرض له الطفل هو تغير الحاضانات او المربيات او وجود أكثر من مربية للطفل، إذ يخلق رسالة مزدوجة له ، تفقده ثقته بنفسه وكذلك ثقته بالآخرين ، وتصبح شخصية الطفل حينها غير متزنة.
حضانة بدون ترخيص مخالفة قانونية تقول خبيرة حقوق الانسان والمرأة والطفل المحامية رحاب القدومي، إن أي مبادرة لانشاء حضانات منزلية بدون ترخيص، هي بحد ذاتها مخالفة قانونية.
وتعتبر ان اي ضرر يلحق بالاطفال في الحضانات المنزلية، فإن المسؤولية الجزائية تلحق للمربية وفقا للقوانين، طالما لم يكن للمربية اية قانون ينظم عملها في الاحتضان.
وبينت ان هناك حقوقا للطفل وفقا للمواثيق والاتفاقيات الدولية، لحمايته الطفل من الاهمال او العنف الجنسي او النفسي او الجسدي ، وكافة اشكال الاستغلال.
وتوضح المحامية فاطمة الدباس ، ان الطفل في عمر الحضانة يعرّف وفقا للقانون بأنه من كان عمره دون الاربع سنوات.
وتضيف ان هناك شروطا يجب توافرها في الحاضنة وفقا للمادة (أ/171) من قانون الاحوال الشخصية رقم (36) لعام 2010 "بأن يكون الحاضن بالغاً عاقلاً سليماً من الأمراض المعدية الخطيرة أميناً على المحضون قادراً على تربيته وصيانته ديناً وخلقاً وصحة، وأن لا يضيع المحضون عنده لانشغاله عنه وأن لا يسكنه في بيت مبغضيه أو من يؤذيه".
وأوضحت ان بعض المربيات اوالحاضنات ينشغلن عن الاطفال الامر الذي يعرضهم الى كثير من الحوادث، وتكمن الخطورة لدى قيام المربية بجلب عاملات وافدات لمساعدتها في تربية الاطفال ، وقد لا تتوفر في أية واحدة منهن مواصفات المربية الجيدة فهنّ قادمات من بيئات مختلفة، ما يعجز الاهالي حينها عن تقويم وإصلاح أبنائهم.
ودعت أصحاب العمل بالالتزام بالمادة (72) من قانون العمل ، لكي لا تضطر العاملة لوضع اطفالها في الحضانة المنزلية، مقترحة ان يكون هناك نوع من الإئتلاف لمجموعة شركات في نفس المنطقة الذين يتواجدون فيها، لفتح حضانة تخدم أهالي العاملين لديها .
وأوضحت أن مشروع قانون حماية الطفل يجب ان يخرج للنور ، لأن بنوده تحمي المجتمع بشكل عام والطفل بشكل خاص.
وتسعى منظمات تعنى بحقوق الطفل ومن بينها اليونسيف الى حماية الأطفال من العنف والاستغلال والإيذاء، باعتبار ان جميع الأطفال لهم هذا الحق .
وتشير اليونسيف أن العنف والاستغلال والإيذاء يمكن أن تؤثر على صحة الأطفال الجسدية والنفسية على المدى القصير والطويل، مما يضعف قدرتهم على التعلم والاندماج في المجتمع، ويؤثر على انتقالهم إلى مرحلة البلوغ مع آثار سلبية لاحقاً في الحياة.
تقول مديرة روضة وحضانة ادرس والعب صفاء الشواربه، ان الحضانات المعتمدة والمرخصة تكون مراقبة من الجهات المعنية، وفقا للشروط المعتمدة الخاصة بإنشاء الحضانة وكذلك تعيين الكادر التعليمي والتربوي بما فيها شهادة عدم محكومية و شهادة خلو الامراض بالإضافة الى الشهادة الجامعية. وتوضح ان ما يميز الحضانة المعتمدة عن غيرها من الحضانات، التزامها بفحوطات طبية دورية للأطفال ،ومتابعة الغذاء الصحي للطفل، ووجود كادر تربوي يقوّم سلوك الاطفال بالتعاون مع ذويهم. يقول مدير مديرية الاسرة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الجبور ان الحضانات المنزلية موجودة بكثرة وبطريقة عشوائية، وكانت إذا ارتكبت أي مخالفة لا تملك وزارة التنمية الصلاحية لمنعها من عملها .
ويوضح ان الوزارة تسعى لضبط عمل الحضانات وفق آليات منبثقة عن نظام الحضانات رقم 77 للعام 2018 الذي صدر في الجريدة الرسمية، الذي يهدف تنظيم الحضانات من خلال تحضير المرأة للالتحاق بسوق العمل ومساعدة بعض المناطق التي تنخفض فيها نسبة الحضانات ، ولا تتواجد في الأماكن القريبة من العمل .
و يشير الجبور إلى وجود 41 مديرية تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية و في كل مديرية يوجد قسم متخصص بالحضانات يقوم بمتابعة أمورها.
ويدعو الأسر للتأكد عند البحث عن حضانة منزلية ، أن تكون مستوفية الشروط والمواصفات والتعليمات التي تعكف الوزارة على اعدادها، من حيث تخصيص مكان(غرفة) مهيأة لاستقبال الاطفال تتوافر فيها شروط الصحة والسلامة العامة ،وان تكون مربية الاطفال مؤهلة وحسنة السيرة والسلوك ولديها القدرة على التعامل مع الاطفال ،والتأكد من حصول افراد الاسرة داخل تلك الحضانة على شهادة عدم محكومية.
وفي حال مخالفة الحضانة للتعليمات اشار الجبور الى ان العقوبات ستبدأ بالإنذار والاغلاق وتنتهي بالتحويل الى القضاء وفقا للمخالفة التي تم ارتكابها.
هذا الوضع يستدعي تسريع الاجراءات لضبط اليات العمل داخل هذه الحضانات بعد ترخيصها ، وتطبيق إجراءات قانونية في حال مخالفتها الشروط والتعليمات ، مع ضمان الرقابة والتفتيش عليها بشكل دوري، لتوفير بيئة أفضل للطفل خالية من العنف والايذاء والاستغلال.
بترا

نيسان ـ نشر في 2018-08-17 الساعة 09:51

الكلمات الأكثر بحثاً