اتصل بنا
 

الهجرة إلى مملكة أسغارديا

نيسان ـ نشر في 2018-06-29 الساعة 15:47

x
نيسان ـ

محمد قبيلات....على عكس ما أنشد الشاعر عمرو بن الأهتَم حين قال: لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ.
وكان بن الأهتَم يعني أن الأرض واسعة ولا تضيق بأحد، ولكن الضيق يكون في الأخلاق والصدور، أصبحت الأرض ضيقة اليوم، وتدفع الأنسان مجددا للحلم بمدينة فاضلة، مع فارق بسيط أنه أصبح من المستحيل تطبيقها على الأرض، وهذا ما جعل عالم الفضاء الروسي مهندس البرمجيات أيغور أشوربيلي يأخذ على عاتقه تحقيق مدينة افلاطونية في الفضاء.
لا يتطلب الأمر الكثير من الراغبين في الانضمام إلى هذا الرحيل البشري الكبير، كل ما على الراغب بالانضمام إلى مملكة أسغارديا، فقط أن يكون قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره ويمتلك إيميلا يرسل منه طلبا لهجرة، فيخضع بعدها لامتحان تقييم الذكاء (IQ) ليصبح مواطنا جاهزا للرحيل بعد أن تتم الاجراءات التأسيسية للدولة، وقد انضم بالفعل إلى تابعية هذه الدولة الحلم أكثر من مئة وخمسين ألفا من مئتي جنسية، من ضمنهم 333 أردنيا، ومعظم من تقدموا بالطلبات من فئة الشباب، إذ تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 سنة 70 من المئة من مواطني أسغارديا.
القصة بدأت حين تقمّص مؤسس أسغارديا الروسي أيغور أشوربيلي شخصية عملاق يدعى هيرمثرس، حسب الميثولوجيا النوردية، يتخفى فيها الإله هيرمثرس على شكل رجل وادعى بأنه يستطيع بناء جدران عظيمة تفصل عالمهم عن بقية العوالم، وفيما يشبه المحاكاة لهذه القصة أعلن أشوربيلي قبل عامين أنه ينوي انشاء دولة في الفضاء، تهدف لاستيعاب مئة وخمسين مليون مواطن، والمشروع لا يحمّل المواطنين أية كلف مادية، فما على الراغب إلّا أن يتقدم بطلبه، وبعد أن تكتمل الأعداد المستهدفة يدفع كل عضو في هذه الدولة مئة يورو سنويا ليتم البدء في بناء السفن الفضائية وتهيئة الظروف المناسبة للعيش بعيدا عن الأرض.
هذا الهروب البشري الكبير يبدو خياليا ومغامرا للوهلة الأولى، لكن فكرة الهجرة والانتقال إلى أماكن جديدة ليست جديدة على البشرية، ومارسها الانسان منذ ما قبل التاريخ بالانتقال إلى مناطق يحقق فيها العيش الأفضل، والهروب كان دائما للبحث عن ظروف أفضل من حيث البيئة والمناخ والموارد أو الهجرة بسبب الاضطهاد. وليس من غرابة في هجرة أشوربيلي عن هذا السياق، فهو يقول أنه يبحث عن مكان تسوده العدالة ولا فروق بين المواطنين فيه، مكان يعم فيه السلام، وابعد ما يكون عن الصراعات التي تشهدها الأرض.
وأصبح اليوم لـ ' أسغارديا'، كباقي الدول، علم خاص، ونشيد وطني ودستور وبرلمان منتخب ورئيس هو أيغور اشوربيلي، وتهدف الدولة الجديدة لاستقطاب فقط 2 من المئة من سكان الأرض، وهي حتى هذه اللحظة، وحسب الفرضية، دولة طوباوية، أو مثالية، أي دولة لا قتل فيها أو حروب ، ولا سرقة، ولا جرائم، ولا بطالة، ولا طائفية، ولا مجاعات ولا تمييز عنصري، وهذا كله حسب ما قاله أشوربيلي في خطاب تنصيبه رئيساً للدولة في قصر هوفبورغ في فيينا، قبل أيام حيث أكد أن التاريخ سيدوّن هذا اليوم في سجلّات أهم الأحداث التاريخية.
دولة أسغارديا هي دولة خالية من الظلم، حسب ما يخطط له أيغور أشوربيلي، وهي تعبير عن العجز عن تحقيق فكرة الأصلاح في عالمنا الذي نعيش فيه، ومع أن القناعة أصبحت راسخة لدى رائد هذه الفكرة بأن الفضاء هو المهرب الأوحد لأهل الأرض، لكنه لا يمانع أن تعود خطته بالخير على سكان الأرض بعد أن تنجح وتتحقق.
وكما بدأنا بالشعر، فلا مجال للختام إلّا بالشعر، فهو ديواننا، لكن هذه المرة مع بشار بن برد الذي عزف على نفس الوتر حين قال:
وكنت إذا ضاقت علي محلَّةٌ * تيمّمتُ أخرى ما عَليَّ تضِيقُ.

نيسان ـ نشر في 2018-06-29 الساعة 15:47

الكلمات الأكثر بحثاً