اتصل بنا
 

لماذا يُحبُّ الأردنيون الطغاة؟

كاتب وصحافي اردني

نيسان ـ نشر في 2018-04-10 الساعة 14:50

نيسان ـ

أتساءلُ فعلاً عن شعبيَّة الإلهِ الكوريِّ الشماليِّ كِمْ جونغ أون، حفيد كبير الآلهة وأحقرهم كِمْ إلْ سونغ. هناكَ من يراهُ بطلاً أسطوريّاً. أعرفُ أردنيين يساريينَ يتمنون لو كانوا كوريين، لينحنوا للرفيق العظيم، قاهر الإمبريالية والرأسمالية، ولا يهمهم إنْ كانَ شعبه لا يزالُ يعتبرُ الموبايل والإنترنت والعالم الرقميَّ رجْساً من أعمال أميركا!

الأردنيون أيضاً مُعجبون جداً بأدولف هتلر. أعني كثيراً في عامة النَّاس، وهم ممتنون لحرْق اليهود، ولأفران الغاز في بولندا.
وللكارثةِ دائماً وجهها القبيح. فرابطة الكتّاب الأردنيين أصدرت ذاتَ بؤسٍ بياناً مُعارضاً لمحاكمة المجرم الصربيِّ سلوبودان ميلوشيفيتش، ولا يزالُ قياديونَ فيها، يهتفون لقائد 'المقاومة والممانعة' الصغير بشَّار الأسد، ومعهم نقابيون وناشطون ومعارضون للنظام الأردني، وهناكَ 'نخبٌ' وأحزابٌ وجماهير عريضة ترى في السفّاح المعتوه صدام حسين بطلاً وشهيداً.
ليس على سَبيل الكوميديا. أقسمُ أنني أعرفُ أردنيين يعتبرون معمَّر القذافي 'فاتحاً عظيماً'. له كتابٌ أخضر، وهم لا ينسونَ عبقريته في 'طاعة الوالدين' التي هِيَ أهمُّ من رضى أمِّك وأبيك!
لماذا يُحبُّ الأردنيون الطغاةَ، والمستبدين والسفّاحين؟!
الأرجح، لأنهم لا يعرفونهم. فقد عشنا منذ نكسة حزيران 1967 إلى 1989 أحكاماً عرفيةً قاسية على الحريّات والعمل الحزبي والسياسي، وعشنا عقوداً في ظلِّ دولةٍ بوليسيةٍ، تفرضُ الهمسةَ وتقمعُ الصوت. سُجن المعارضون، وكبرَ الأولادُ والبناتُ فيما الآباءُ في السجون. دائماً كان بالإمكان رؤيتهم والحديث معهم. فالنظام عاشَ في طوارئ ومخاوفَ، وواجهَ خصومه بشراسة، لكنه لم يكن دمويَّاً، ولم يرتكب مجازرَ جماعيةً، ولَم يُجرّب الأسلحةَ المحظورة على شعبه، مِثْلَ جواره.
لا يعرفُ الأردنيون الطغاةَ. لم يسبق لأردنيةٍ أنْ كانَ أبوها 'شهيداً' في حروب المجرم صدام حسين، وكان أخوها 'خائناً' لأنه همسَ ضدَّ ضآلة حجم الحصّة التموينية في سنوات الحصار. لم تكنْ الأردنيةُ أرملةً لرجلٍ جريمتهُ أنَّه لا يُؤْمِنُ بحزب البعث. لمْ يغب الأردنيُّ بين فروع المخابرات السوريَّة، ولا يُعرفُ إنْ كانَ حيّاً أو ميتاً. لمْ يعرف الأردنيونَ سرايا الدفاع السورية، ولا فدائيي صدّام. لمْ تعرف البيوتُ الأردنية المناحات والمآتم الصامتة، مثلما عرفها العراقيونَ والسوريونَ والبوسنيونَ والكوريونَ الشماليون، وسواهم.
ربّما نَحْنُ شعبُ الله الوحيد، الذي لا يزالُ يحلمُ بطاغيةٍ، مُدجَّجٍ بالدمِ والأكاذيب..!!
....................
*وذلك من مقال في 2015

نيسان ـ نشر في 2018-04-10 الساعة 14:50


رأي: باسل الرفايعة كاتب وصحافي اردني

الكلمات الأكثر بحثاً